الكفاية في التفسير بالمأثور والدراية
الكفاية في التفسير بالمأثور والدراية
Maison d'édition
دار القلم
Édition
الأولى
Année de publication
١٤٣٨ هـ - ٢٠١٧ م
Lieu d'édition
بيروت - لبنان
Genres
والقول الثاني هو الأقرب إلى الصواب، أي: عهدُ الله ووصيته التي أخذ على بني إسرائيل في التوراة، أن يبيِّنوا للناس أمر محمد ﷺ أنه رسولٌ، وأنهم يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة أنه نبيّ الله، وأن يؤمنوا به وبما جاء به من عند الله" (١).
قوله تعالى: ﴿وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾ [البقرة: ٤٠]، "أي لا ترهبوا إلا إياي" (٢).
قال البيضاوي: أي: " فيما تأتون وتذرون وخصوصًا في نقض العهد" (٣).
قال الثعلبي: "فخافوني في نقض العهد" (٤).
قال أبو العالية: " ﴿وإياي فارهبون﴾، فاخشون" (٥).وكذا روي عن السدى والربيع ابن أنس وقتادة (٦).
وأخرج ابن أبي حاتم "عن ابن عباس: ﴿وإياي فارهبون﴾، أن أنزل بكم ما أنزلت بمن كان قبلكم من آبائكم من النقمات التي قد عرفتم من المسخ وغيره" (٧).
قال ابن عطية: " والرهبة يتضمن الأمر بها معنى التهديد" (٨).
ولا يحفى بأن مافي هذه الآية من الوعد والوعيد، دالة على وجوب الشكر والوفاء بالعهد، وأن المؤمن ينبغي أن لا يخاف أحدًا إلا الله تعالى (٩).
وقوله ﴿فَارْهَبُونِ﴾، قرأ ابن أبي إسحاق بالياء (١٠).
وسقطت الياء بعد النون في قوله ﴿فَارْهَبُونِ﴾، في هذه الآيات وفي كلّ القرآن على الأصل، وحذفها الباقون على الخط اتّباعا للمصحف (١١).
الفوائد:
١ من فوائد الآية: أن الله تعالى يوجه الخطاب للمخاطب إما لكونه أوعى من غيره؛ وإما لكونه أولى أن يمتثل؛ وهنا وجّهه لبني إسرائيل؛ لأنهم أولى أن يمتثلوا؛ لأن عندهم من العلم برسالة النبي ﷺ، وأنها حق ما ليس عند غيرهم.
٢ ومنها: أن تذكير العبد بنعمة الله عليه أدعى لقبوله الحق، وأقوم للحجة عليه؛ لقوله تعالى: ﴿اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم﴾؛ فهل هذا من وسائل الدعوة إلى الله؛ بمعنى أننا إذا أردنا أن ندعو شخصًا نذكره بالنعم؟
فالجواب: نعم، نذكره بالنعم؛ لأن هذا أدعى لقبول الحق، وأدعى لكونه يحب الله ﷿؛ ومحبة الله تحمل العبد على أن يقوم بطاعته.
٣ ومن فوائد الآية: عظيم منة الله تعالى في إنعامه على هؤلاء؛ لقوله تعالى: ﴿التي أنعمت عليكم﴾.
٤ ومنها: أن من وفى لله بعهده وفى الله له؛ لقوله تعالى: ﴿وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم﴾؛ بل إن الله أكرم من عبده، حيث يجزيه الحسنة بعشر أمثالها؛ وفي الحديث القدسي: "إِذَا تَقَرَّبَ الْعَبْدُ إِلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا؛ وَإِذَا تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا؛ وَإِذَا أَتَانِي مَشْيًا أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً" (١٢).
(١) تفسير الطبري: ١/ ٥٥٧.
(٢) تفسير ابن عثيمين: ١/ ١٤٣.
(٣) تفسير البيضاوي: ١/ ٧٥.
(٤) تفسير الثعلبي: ١/ ١٨٧، وانظر: التفسير البسيط: ٢/ ٤٣٢.
(٥) تفسير ابن أبي حاتم (٤٤٣): ص ١/ ٩٦.
(٦) أنظر: تفسير ابن أبي حاتم: ١/ ٩٦.
(٧) تفسير ابن أبي حاتم (٤٤٢): ص ١/ ٩٦.
(٨) المحرر الوجيز: ١/ ١٣٤.
(٩) أنظر: تفسير البيضاوي: ١/ ٧٦.
(١٠) أنظر: المحر الوجيز: ١/ ١٣٤.
(١١) أنظر: تفسير الثعلبي: ١/ ١٨٧.
(١٢) أخرجه البخاري بلفظه ص ٦٢٩، كتاب التوحيد، باب ٥٠: ذكر النبي ﷺ وروايته عن ربه، حديث رقم ٧٥٣٦؛ وأخرجه مسلم ص ١١٤٤، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب ١: الحدث على ذكر الله تعالى، حديث رقم ٦٨٠٥ [٢] ٢٦٧٥.
2 / 214