الكفاية في التفسير بالمأثور والدراية
الكفاية في التفسير بالمأثور والدراية
Maison d'édition
دار القلم
Édition
الأولى
Année de publication
١٤٣٨ هـ - ٢٠١٧ م
Lieu d'édition
بيروت - لبنان
Genres
فإن قال قائل: زوجته بنت من؟ .
فالجواب: أنها خلقت من ضلعه.
فإن قال: إذًا تكون بنتًا له، فكيف يتزوج ابنته؟ .
فالجواب: أن لله تعالى أن يحكم بما شاء؛ فكما أباح أن يتزوج الأخ أخته من بني آدم الأولين؛ فكذلك أباح أن يتزوج آدم من خلقها الله من ضلعه.
٥ ومن فوائد الآية: أن الأمر يأتي للإباحة؛ لقوله تعالى: ﴿وكُلا منها﴾؛ فإن هذه للإباحة بدليل قوله تعالى: ﴿حيث شئتما﴾: خيَّرهما أن يأكلا من أيّ مكان؛ ولا شك أن الأمر يأتي للإباحة؛ ولكن الأصل فيه أنه للطلب حتى يقوم دليل أنه للإباحة.
٦ ومنها: أن ظاهر النص أن ثمار الجنة ليس له وقت محدود؛ بل هو موجود في كل وقت؛ لقوله تعالى: ﴿حيث شئتما﴾؛ فالتعميم في المكان يقتضي التعميم في الزمان؛ وقد قال الله تعالى في فاكهة الجنة: ﴿وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة﴾ (الواقعة: ٣٢، ٣٣)
٧ ومنها: أن الله تعالى قد يمتحن العبد، فينهاه عن شيء قد تتعلق به نفسه؛ لقوله تعالى: ﴿ولا تقربا هذه الشجرة﴾؛ ووجه ذلك أنه لولا أن النفس تتعلق بها ما احتيج إلى النهي عن قربانها.
٨ ومنها: أنه قد يُنهى عن قربان الشيء والمراد النهي عن فعله؛ للمبالغة في التحذير منه؛ فإن قوله تعالى: ﴿ولا تقربا هذه الشجرة﴾: المراد: لا تأكلا منها، لكن لما كان القرب منها قد يؤدي إلى الأكل نُهي عن قربها.
٩ ومنها: إثبات الأسباب؛ لقوله تعالى: ﴿ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين.
١٠ ومنها: أن معصية الله تعالى ظلم للنفس، وعدوان عليها؛ لقوله تعالى: (ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين.)
القرآن
﴿فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (٣٦)﴾ [البقرة: ٣٦]
التفسير:
فأوقعهما الشيطان في الخطيئة: بأنْ وسوس لهما حتى أكلا من الشجرة، فتسبب في إخراجهما من الجنة ونعيمها، وقال الله لهم: اهبطوا إلى الأرض بما اشتملتما عليه من ذريتكما بعضكم لبعض عدوُّ من ظلم بعضكم بعضًا، ولكم في الأرض موضع قرار ومتاع ما تتمتعون به من نباتها إلى حين وقت انقضاء آجالكم.
قوله ﴿فَأَزَلَّهُمَا الشيطان عَنْهَا﴾ [البقرة: ٣٦]، أي: دعاهما إلى الزلة (١)، فزحزحهما (٢) عن القصد المستقيم، بتزيينه ووسوسته وإغوائه (٣).
(١) الزلة: الخطيئة، وهي في أصل اللغة: عثور القدم، انظر: معجم مقاييس اللغة لابن فارس: ٣/ ٤، والمفردات للراغب: ٢١٤، والمحرر الوجيز لابن عطية: ١/ ١٨٦، والبحر المحيط لأبي حيان: ١/ ١٥٩، وقد جاءت آيات أخرى تبين كيفية دعاء الشيطان الأبوين إلى ذلك، منها قوله-﷿: ﴿فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ * وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ﴾ [الأعراف: ٢٠ - ٢١]، وقوله-﷿: ﴿قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى﴾ [طه: ١٢٠]. ولفظ ابن حجر هنا نص كلام البغوي في معالم التنزيل: ١/ ٨٣ وهو من موارده في الفتح-كما في موارد ابن حجر العسقلاني في علوم القرآن من خلال كتابه فتح الباري لمحمد أنور صاحب: ٢٣٠ - ٢٣١ -، وانظر: جامع البيان للطبري: ١/ ٥٢٤، والوسيط للواحدي: ١/ ١٢٢، وتيسير المنان تفسير القرآن للكوكباني: ٢/ ٨٨٣ - ٨٨٤، والتحرير والتنوير لابن عاشور: ١/ ٤٣٣. و(فَأزَلَّهُمَا) في الآية تحتمل معنيين: أ-بمعنى استزلهما، أي: دعاهما إلى الزلة مزينًا لهما الخطيئة حتى وقعا فيها، وقال به كثير من المفسرين وهو قول الحافظ هنا، انظر: مجاز القرآن لأبي عبيدة: ١/ ٣٨، وغريب القرآن لليزيدي: ٦٨، وجامع البيان للطبري: ١/ ٥٢٤ وغيرها. ب-من زل عن المكان إذا تنحى عنه ولم يثبت فيه، والمعنى: نحاهما عن الجنة وأبعدهما عنها بسبب خطيئتهما بالأكل من الشجرة، والشيطان لا يستطيع تنحية العبد وزحزحته وإنما يقدر على الوسوسة التي هي سبب التنحية، وذلك مجاز كما في البحر المحيط لأبي حيان: ١/ ٥٩، والدر المصون للسمين: ١/ ١٩٣، وغيرهما. وانظر: القولين في: شرح الهداية للمهدوي: ١/ ١٦٣، الحجة في علل القراءات السبع للفارسي: ٢/ ١٣ - ١٤، الكشف عن وجوه القراءات السبع لمكي بن أبي طالب: ١/ ٢٣٦، الدر المصون للسمين الحلبي: ١/ ١٩٢ - ١٩٣، وغيرها.
(٢) انظر: معاني القرآن للزجاج: ١/ ١١٥، وتيسير الكريم الرحمن للسعدي: ٣٢.
(٣) أي: الطاعة-وهو في حق الأبوين ترك ارتكاب المحظور-والتي كانا بسببها متنعمَين في الجنة فأخرجهما إبليس منها بتزيينه لهما الأكل من الشجرة التي نهاهما الله تعالى عن الأكل منها.
2 / 194