الكفاية في التفسير بالمأثور والدراية
الكفاية في التفسير بالمأثور والدراية
Maison d'édition
دار القلم
Numéro d'édition
الأولى
Année de publication
١٤٣٨ هـ - ٢٠١٧ م
Lieu d'édition
بيروت - لبنان
Genres
وأصلُ التسبيح لله عند العرب: التنزيهُ له من إضافة ما ليس من صفاته إليه، والتبرئة له من ذلك، كما قال أعشى بني ثعلبة (١):
أَقُولُ - لمَّا جَاءَنِي فَخْرُه - ... سُبْحَانَ مِنْ عَلْقَمَةَ الْفَاخِرِ
يريد: سُبحان الله من فَخر علقمة، أي تنزيهًا لله مما أتى علقمة من الافتخار، على وجه النكير منه لذلك (٢).
وقوله تعالى: ﴿وبِحَمْدِكَ﴾، معناه: "نخلط التسبيح بالحمد ونصله به، ويحتمل أن يكون قوله بِحَمْدِكَ اعتراضا بين الكلامين، كأنهم قالوا ونحن نسبح ونقدس، ثم اعترضوا على جهة التسليم، أي وأنت المحمود في الهداية إلى ذلك" (٣).
واختلف في تسبيح الملائكة على أقوال (٤):
أحدها: معناه: نصلي لك. وهذا قول السدي (٥).
والثاني: أن تسبيحهم: رفع الصوت بالذكر.
والثالث: أن تسبيحهم: سبحان الله على عُرفه في اللغة، أي التسبيح المعلوم، قاله قتادة (٦)، وروي عن الحسن (٧) نحو ذلك، وهذا هو الصحيح، وهو قول عامة المفسرين (٨).
قوله تعالى: ﴿وَنُقَدِّسُ لَكَ﴾ [البقرة: ٣٠]، " أي نثني عليك بالقدس والطهارة" (٩).
قال الصابوني: "أي: نعظم أمرك ونطهرّ ذكرك مما نسبه إِليك الملحدون" (١٠).
قال البغوي: " وقيل: لم يكن هذا من الملائكة على طريق الاعتراض والعجب بالعمل بل على سبيل التعجب وطلب وجه الحكمة فيه" (١١).
قال ابن عثيمين: "التقديس" معناه التطهير؛ وهو أمر زائد على "التنْزيه"؛ لأن "التنزيه" تبرئة، وتخلية؛ و"التطهير" أمر زائد؛ ولهذا نقول في دعاء الاستفتاح: "اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب؛ اللهم نقني من خطاياي كما ينقَّى الثوب الأبيض من الدنس؛ اللهم اغسلني من خطاياي بالماء، والثلج، والبَرد": فالأول: طلبُ المباعدة؛ والثاني: طلب التنقية. يعني: التخلية بعد المباعدة؛ والثالث: طلب الغسل بعد التنقية حتى يزول الأثر بالكلية؛ فيجمع الإنسان بين تنْزيه الله ﷿ عن كل عيب ونقص، وتطهيره، أنه لا أثر إطلاقًا لما يمكن أن يعلق بالذهن من نقص" (١٢).
واختلف في تقديس الملائكة، على أوجه (١٣):
أحدها: فقالوا: التقديس هو التطهير والتعظيم، قاله ابن عباس (١٤)، وروي عن الضحاك (١٥) نحو ذلك، وهو اختيار الطبري (١٦)، وابن عطية (١٧).
(١) ديوانه: ١٠٦، من قصيدته المشهورة، التي قالها في هجاء علقمة بن علاثة، في خبر منافرة علقمة بن علاثة وعامر بن الطفيل (الأغاني ١٥: ٥٠ - ٥٦). وذكر ابن الشجري في أماليه ١: ٣٤٨ عن أبي الخطاب الأخفش، قال: " وإنما ترك التنوين في " سبحان " وترك صرفه، لأنه صار عندهم معرفة ". وقال في ٢: ٢٥٠: " لم يصرفه، لأن فيه الألف والنون زائدين، وأنه علم للتسبيح، فإن نكرته صرفته ". وانظر ص: ٤٩٥ وتعليق رقم: ٣.
(٢) أنظر: تفسير الطبري: ١/ ٤٧٤.
(٣) المحرر الوجيز: ١/ ١١٨.
(٤) انظر: تفسير الطبري: ١/ ٤٧٤. وتفسير ابن كثير: ١/ ٢٢٠ - ٢٢١.
(٥) أنظر: تفسير ابن أبي حاتم (٣٣٠): ص ١/ ٧٩، والطبري (٦١٩): ص ١/ ٤٧٤.
(٦) أنظر: تفسير ابن أبي حاتم (٣٢٩): ص ١/ ٧٩، والطبري (٦٢٠): ص ١/ ٤٧٤، وانظر: تفسير عبد الرزاق ١/ ٦٥.
(٧) أنظر: تفسير البغوي: ١/ ٧٩، قال: " قال الحسن: نقول سبحان الله وبحمده وهو صلاة الخلق، وصلاة البهائم وغيرهما، سوى الآدميين وعليها يرزقون ".
(٨) انظر مثلا: تفسير الطبري: ١/ ٤٧٤. وتفسير ابن كثير: ١/ ٢٢٠ - ٢٢١، والدر المنثور ١: ٤٦، والشوكاني ١: ٥٠.
(٩) تفسير البغوي: ١/ ٧٩.
(١٠) صفوة التفاسير: ١/ ٤١.
(١١) تفسير البغوي: ١/ ٧٩.
(١٢) تفسير ابن عثيمين: ١/ ١١٥.
(١٣) انظر: تفسير الطبري: ٤٧٤ - ٤٧٥.
(١٤) أنظر: تفسير ابن أبي حاتم (٣٣١): ص ١/ ٧٩.
(١٥) أنظر: تفسير الطبري (٦٢٥): ص ١/ ٤٧٦.
(١٦) انظر: تفسير الطبري: ١/ ٤٧٥.
(١٧) انظر: المحرر الوجيز: ١/ ١١٨. قال ابن عطية: " والتقديس التطهير بلا خلاف، ومنه الأرض المقدسة أي المطهرة، ومنه بيت المقدس، ومنه القدس الذي يتطهر به".
2 / 167