388

الكفاية في التفسير بالمأثور والدراية

الكفاية في التفسير بالمأثور والدراية

Maison d'édition

دار القلم

Numéro d'édition

الأولى

Année de publication

١٤٣٨ هـ - ٢٠١٧ م

Lieu d'édition

بيروت - لبنان

Genres

قال ابن عثمين: " أي [الذين آمنوا] بما يجب الإيمان به مما أخبر الله به، ورسوله؛ وقد بيَّن الرسول ﷺ أصول الإيمان بأنها الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره؛ لكن ليس الإيمان بهذه الأشياء مجرد التصديق بها؛ بل لا بد من قبول، وإذعان؛ وإلا لما صح الإيمان" (١).
قال الطبري: " هذا أمر من الله تعالى نبيَّه محمدًا ﷺ بإبلاغ بشارته خلقَه الذين آمنوا به وبمحمد ﷺ وبما جاء به من عند ربه، وصدّقوا إيمانهم ذلك وإقرَارهم بأعمالهم الصالحة" (٢).
والخطاب في قوله تعالى: ﴿بشِّر﴾ يحتمل وجهين (٣):
أحدهما: أنه خطاب للرسول ﷺ. يعني بشِّر أيها النبي. وهو الظاهر.
والثاني: أو أنه لكل من يتوجه إليه الخطاب،؛ يعني: بشِّر أيها المخاطَب، من اتصفوا بهذه الصفات بأن لهم جنات.
قال النسفي: " والمأمور بقوله " وبشر " الرسول ﵇ أو كل أحد، وهذا أحسن لأنه يؤذن بأن الأمر لعظمة وفخامة شأنه محقوق بأن يبشر به كل من قدر على البشارة به" (٤).
قال البغوي: " والبشارة كل خبر صدق تتغير به بشرة الوجه، ويستعمل في الخير والشر، وفي الخير أغلب" (٥).
قال ابن عثيمين: " و"البشارة" هي الإخبار بما يسر؛ وسميت بذلك لتغير بَشَرة المخاطَب بالسرور؛ لأن الإنسان إذا أُخبر بما يُسِرُّه استنار وجهه، وطابت نفسه، وانشرح صدره؛ وقد تستعمل "البشارة" في الإخبار بما يسوء، كقوله تعالى: ﴿فبشرهم بعذاب أليم﴾ [آل عمران: ٢١]: إمَّا تهكمًا بهم؛ وإما لأنهم يحصل لهم من الإخبار بهذا ما تتغير به بشرتهم، وتَسودَّ به وجوههم، وتُظلِم، كقوله تعالى في عذابهم يوم القيامة: ﴿ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم * ذق إنك أنت العزيز الكريم﴾ [الدخان: ٤٨، ٤٩] " (٦).
وقرئ ﴿وَبَشّرِ﴾، على البناء للمفعول عطفًا على: أعدت، فيكون استئنافًا (٧).
قوله تعالى: ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ [البقرة: ٢٥]، أي: "وحقَّق تصديقَه ذلك قولا بأداء الصالح من الأعمال التي افترضتُها عليه " (٨).
قال البغوي: " أي أخلصوا الأعمال" (٩).
قال البيضاوي: ﴿الصالحات]، "هي من الأعمال ما سوغه الشرع وحسنه. وعطف العمل على الإيمان مرتبًا للحكم عليهما إشعارًا بأن السبب في استحقاق هذه البشارة مجموع الأمرين والجمع بين الوصفين، فإن الإيمان الذي هو عبارة عن التحقيق والتصديق أَسٌّ، والعمل الصالح كالبناء عليه، ولا غناءَ بأْسٍ لا بناء عليه، ولذلك قلما ذكرا منفردين. وفيه دليل على أنها خارجة عن مسمى الإيمان، إذ الأصل أن الشيء لا يعطفُ على نفسه ولا على ما هو داخل فيه" (١٠).
قال ابن عثيمين: " أي عملوا الأعمال الصالحات. وهي الصادرة عن محبة، وتعظيم لله ﷿ المتضمنة للإخلاص لله، والمتابعة لرسول الله؛ فما لا إخلاص فيه فهو فاسد؛ لقول الله تعالى في الحديث القدسي: "أنا أغنى الشركاء عن الشرك؛ من عمل عملًا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه" (١١)؛ وما لم

(١) تفسير ابن عثيمين: ١/ ٩٠.
(٢) تفسير الطبري: ١/ ٣٨٤.
(٣) أنظر: تفسير ابن عثيمين: ١/ ٩٠.
(٤) تفسير النسفي: ١/ ٥٢.
(٥) تفسير البغوي: ١/ ٧٤.
(٦) تفسير ابن عثيمين: ١/ ٨٩ - ٩٠، وانظر: زاد المسير: ١/ ٥٢.
(٧) تفسير: تفسير البيضاوي: ١/ ٥٩ ..
(٨) تفسير الطبري: ١/ ٣٨٤.
(٩) تفسير البغوي: ١/ ٧٤.
(١٠) تفسير: تفسير البيضاوي: ١/ ٥٩ ..
(١١) أخرجه مسلم ص ١١٩٥، كتاب الزهد، باب ٤: تحريم الرياء، حديث رقم ٧٤٧٥ [٤٦] ٢٩٨٥.

2 / 128