إضافة إلى أخبار متفرقة حفظتها ذاكرة التلاميذ عن سيرة حياته. وقد تأمل هؤلاء المؤلفون في هذه التركة وفهموها كل بما يتناسب مع تكوينه الشخصي وخلفيته الثقافية، فأخذ ما أخذ وترك ما ترك. ثم جاءت الكنيسة المبكرة وتأملت في تركة هؤلاء المؤلفين وبنت عليه مستوى ثانيا للتفسير. وأخيرا جاء اللاهوت المسيحي الذي صاغه آباء متشبعون بالثقافة اليونانية، فبنوا مستوى ثالثا للتفسير. ومع الانتقال بين مستويات التفسير هذه، جرى إسقاط الكثير من التعاليم الباطنية ليسوع حتى بدا أنها قد ضاعت إلى الأبد. إلا أن شخصية فذة بين آباء الكنيسة نشط في أواسط القرن الثاني الميلادي يدعى مرقيون
Marcion ، قد حفظ لنا جوهر هذه التعاليم وبنى عليها كنيسة بديلة عن كنيسة روما. وعلى الرغم من أن هذه الكنيسة لم تعمر طويلا، إلا أن تعاليم مرقيون بقيت بمثابة شاهد حي على الوجه الخفي لتعاليم يسوع المسيح.
مرقيون والكنيسة البديلة
من بين آباء الكنيسة الأوائل كان مرقيون-
Marcion
الأبرز بين من تقصى تعاليم يسوع الباطنية وفهمها حق فهمها. وعندما فشل في إحداث أي تغيير يذكر في قناعات زملائه في كنيسة روما، انشق عنها وأنشأ كنيسة جديدة توسعت شرقا وغربا بزخم قوي، وطرحت نفسها بديلا عن كنيسة روما التقليدية.
جاء مرقيون من آسيا الصغرى. فقد ولد وترعرع في مدينة سينوب على البحر الأسود بمنطقة البنط-
. سنة ميلاده غير معروفة ولكن يمكن تحديدها بشكل عام في أواخر القرن الأول الميلادي. نشأ في أسرة مسيحية وكان والده أسقفا للمجموعة المسيحية المحلية. ويعتقد البعض أنه كانت لوالده هذا روابط مع طائفة البولسيين-
، وهي طائفة مسيحية مبكرة نشأت في أرمينيا على يد مبشر يدعى عاديا جاء من أورشليم حاملا معه تعاليم سرية ليسوع من منشئها. وقد بشر عاديا بعقيدة تقول بأن يسوع هو كائن بشري تبناه الله وجعله ابنا له. ثم تطور ضمن هذه العقيدة تنويع آخر يقول بوجود إلهين أعليين لا إله واحد، الأول هو الآب السماوي الأعلى، والثاني هو الديميرج خالق هذا العالم وسيده.
أخذ مرقيون عن والده مهنة الشحن البحري بسفينة تخصه، وربما أكثر. وقد توسع في أعماله باتجاه الموانئ الغربية لآسيا الصغرى مثل إفسوس وسميرنا التي كانت من المراكز القديمة للحركة الغنوصية، وهناك حصلت جدالات فكرية حامية بينه وبين السلطات المسيحية التقليدية. وفي سميرنا وصفه المنافح العنيد عن الإيمان القويم بوليكارب بأنه بكر الشيطان. نحو عام 139م رحل إلى روما حيث انضم إلى المجموعة المسيحية العاملة هناك وتبرع للحركة بمبلغ كبير من المال. في مكان إقامته الجديد طور تعاليمه، ويقال إنه اتصل بالغنوصي السوري كيردو-
Page inconnue