رواية لوقا
يبتدئ لوقا روايته بقصة الكاهن زكريا وكيف حملت زوجته أليصابات قريبة مريم بشكل إعجازي وهما في سن الشيخوخة بيوحنا المعمدان. ثم يقطع روايته وأليصابات في شهرها السادس ليقص لنا عن الحبل العذري لمريم: «وفي الشهر السادس أرسل جبرائيل الملاك من الله إلى مدينة من الجليل اسمها ناصرة، إلى عذراء مخطوبة لرجل من بيت داود اسمه يوسف واسم العذراء مريم، فدخل إليها الملاك وقال: سلام لك أيتها المنعم عليها، الرب معك، مباركة أنت في النساء. فلما رأته اضطربت من كلامه وفكرت ما عسى أن تكون هذه التحية. فقال لها الملاك: لا تخافي يا مريم، لأنك قد وجدت نعمة عند الله، وها أنت ستحبلين وتلدين ابنا وتسمينه يسوع. هذا يكون عظيما وابن العلي يدعى، ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه، ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد. فقالت مريم للملاك: كيف يكون هذا وأنا لست أعرف رجلا؟ فأجابها الملاك: الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك، فلذلك أيضا القدوس المولود منك يدعى ابن الله. وهو ذا نسيبتك أليصابات هي أيضا حبلى بابن في شيخوختها، وهذا هو الشهر السادس لتلك المدعوة عاقرا، لأنه ليس شيء غير ممكن لدى الله. فقالت مريم: هو ذا أنا أمة الرب، ليكن لي كقولك. فمضى من عندها الملاك. فقامت مريم في تلك الأيام وذهبت بسرعة إلى الجبال إلى مدينة يهوذا (= أورشليم)، ودخلت بيت زكريا وسلمت على أليصابات. فلما سمعت أليصابات سلام مريم ارتكض الجنين في بطنها، وامتلأت أليصابات من الروح القدس، وصرخت بصوت عظيم وقالت: مباركة أنت في النساء ومباركة ثمرة بطنك، فمن أين لي هذا أن تأتي أم ربي إلي؟ ... إلخ» (لوقا، 1: 26-44). بعد ذلك تمكث مريم عند زكريا وأليصابات نحو ثلاثة أشهر ثم تعود إلى بيتها.
من مقارنة هاتين الروايتين نخرج بالملاحظات التالية: (1)
يحيط الغموض التام بالشخصيتين الرئيسيتين يوسف ومريم. ويبدو أن المؤلفين لا يعرفان عنهما سوى الاسم فقط، ولا شيء آخر عن الأسرة والوالدين والوضع الاجتماعي. وعلى عكس الرأي الشائع بأن يوسف كان يعمل نجارا، فإن المعطيات النصية غير واضحة بهذا الخصوص. فروايتا الميلاد لا تذكران شيئا عن مهنة يوسف رجل مريم. أما المواضع الأخرى التي جرى التعويل عليها لوصف يوسف بالنجار فمتضاربة بهذا الخصوص؛ فمرقس الذي تجاهل وجود يوسف تماما قد وصف يسوع نفسه بالنجار عندما قال على لسان أهل الناصرة: «أما هو النجار ابن مريم» (6: 3). أما متى فقال: «أما هو ابن النجار» (13: 55). بينما قال لوقا: «أما هو ابن يوسف» (4: 23). وكذلك فعل يوحنا الذي وصف يسوع مرتين بابن يوسف دون أن يأتي على ذكر النجار (يوحنا، 1: 45، و6: 42). وبذلك تقف شهادة متى عن يوسف بأنه نجار وحيدة ومن دون مؤيد من بقية الأناجيل. وقد ناقش بعض الباحثين بأن كلمة
Tekon
الواردة في النص اليوناني للأناجيل هي المعادل للكلمة الآرامية «ن ج ا ر» في لغة فلسطين المحكية في ذلك الزمان، والتي تعني كما في العربية من يمتهن النجارة. ولكن هذه الكلمة الآرامية قد وردت أكثر من مرة في أدبيات التلمود في معرض الإشارة إلى الشخص المتعلم والمثقف، وهذا الاستخدام ربما يعكس واقع استخدامها الأدبي في اللغة الآرامية التي لم يتوفر لدينا الكثير من نصوصها الأدبية. وعلى ذلك فربما لم يكن يوسف نجارا على الإطلاق، ولا يسوع كذلك.
1 (2)
الموطن الأصلي لكل من يوسف ومريم هو الجليل عند لوقا، أما عند متى فهو بيت لحم في مقاطعة اليهودية قرب أورشليم. وسوف نرى فيما بعد كيف جاء لوقا بيوسف ومريم إلى بيت لحم من أجل إتمام النبوءة التوراتية بخصوص ميلاد المسيح المنتظر. (3)
يلعب يوسف الدور الرئيسي في قصة متى التي تقدمه كرجل حكيم عاقل تصرف بهدوء عندما اكتشف أن خطيبته مريم حبلى. وعلى عكس المتوقع فإن الملاك جبرائيل يظهر له في الحلم لا لمريم، ويبشره بالمولود ويطلب منه الاحتفاظ بخطيبته لأن الذي تحمله هو من الروح القدس، وأن عليه أن يسميه يسوع. أما عند لوقا فإن الدور الرئيسي تلعبه مريم، والملاك يظهر لها في اليقظة لا في المنام، ويدخل عليها كأي زائر عادي فيلقي السلام ويبشرها بالمولود الذي ستحبل به من الروح القدس. بعد ذلك نجد مريم تعيش حياتها بحرية؛ فبعد سماعها خبر حمل قريبتها أليصابات، تترك مدينتها في الجليل وتسافر وحيدة لزيارة أليصابات في مقاطعة اليهودية قاطعة مسافات طويلة ووعرة وشاقة؛ حيث مكثت عندها ثلاثة أشهر ثم عادت إلى الناصرة. وخلال كل هذه الأحداث لا نعثر ليوسف على أثر، ولا نعرف كيف عرف بخبر الحمل ولا عن ردة فعله تجاه ذلك. ثم نجدهما بعد ذلك قادمين إلى بيت لحم حيث وضعت مريم مولودها. (4)
في بشارة الملاك ليوسف في إنجيل متى يوصف يسوع بأنه الذي «يخلص شعبه من خطاياهم». أما عند لوقا فيوصف بأنه الذي «يعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد.» أي إن متى يبشر بمسيح روحاني، أما لوقا فيبشر بمسيح سياسي. (5)
Page inconnue