4
من عرضنا هذا للمشهد الديني الفلسطيني في القرن الأول الميلادي، نخرج بنتيجة مفادها أن يسوع قد ظهر في بيئة دينية لم تكن تؤمن بالحياة الثانية، عدا قلة فريسية آمنت ببعث الأجساد المادية وعودة الروح إليها، وقلة قليلة غنوصية آمنت ببعث الأرواح دون أجسادها. وقد ركز يسوع في دعوته الموجهة إلى اليهود والوثنيين على مفهوم القيامة الروحية في مقابل مفهوم قيامة الجسد الذي يقول به الفريسيون المتأثرون بالأفكار الزرادشتية. وهذه القيامة تحصل في هذه الحياة عندما تتعرف الروح على أصلها السماوي وتولد ولادة ثانية «من الأعلى». نقرأ في إنجيل يوحنا: «ما من أحد يمكنه أن يرى ملكوت الله إلا إذا ولد من عل ... إلا إذا ولد وكان مولده من الماء والروح. فمولود الجسد يكون جسدا، ومولود الروح يكون روحا ... فالريح تهب حيث تشاء فتسمع هزيزها ولا تدري من أين تأتي ولا أين تذهب. تلك حالة مولود الروح» (يوحنا، 3: 3-8).
وقد شغل مفهوم ثنائية الروح والجسد وما يتصل به من مفهوم قيامة الروح حيزا كبيرا من تعاليم يسوع السرية، التي تظهرها هذه الأقوال من إنجيل توما:
5
قال يسوع: عندما تعرفون أنفسكم، تعرفون وتفهمون أنكم أبناء الآب الحي. ولكن إذا لم تعرفوا أنفسكم أقمتم في الفقر وكنتم الفقر (الفقرة 3). (المقصود بالفقر هنا هو الجسد من جهة والعالم المادي الأوسع من جهة ثانية).
قال يسوع: طوبى لمن يقف في البداية لأنه سوف يعرف النهاية، ولن يذوق الموت (الفقرة 18). طوبى لمن وجد قبل أن يخلق (الفقرة 19). (أي إن من يعرف نفسه يتوصل إلى معرفة أصله الروحاني القديم السابق على وجود في الجسد الأرضي.)
قال يسوع: طوبى للمتوحدين والمصطفين فإنكم ستجدون الملكوت، لأنكم منه أتيتم وإليه ترجعون (الفقرة 49).
قال يسوع: إذا سألوكم من أين جئتم، أجيبوهم: جئنا من النور، من المكان الذي انبثق فيه النور من تلقاء ذاته (الفقرة 50).
قال يسوع: من عرف حقيقة العالم عرف حقيقة الجسد، ومن عرف حقيقة الجسد فالعالم ليس أهلا له (الفقرة 56).
قال يسوع: عندما ترون مظهركم تسرون. ولكن هل ستتحملون رؤية صوركم التي وجدت قبلكم، والتي لا تموت ولا تتبدى؟ (الفقرة 84). (أي لا يدري المرء أن وراء صورته التي يزهو بها في هذا العالم، صورة أخرى نورانية موجودة منذ القدم، لا تموت مثل الصور المادية ولا تتمظهر على طريقتها.)
Page inconnue