الدرر المنتقاة من الكلمات الملقاة
الدرر المنتقاة من الكلمات الملقاة
Maison d'édition
(بدون)
Genres
والتوفيق من الأمور التي لا تُطلب إلَاّ من الله، إِذْ لا يقدر عليه إلَاّ هو، فمن طلبه من غيره فهو محروم.
قال تعالى: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [القصص: ٥٦].
وهذه الهداية المذكورة في الاية هي التي يسمِّيها العلماء هداية التوفيق، قال شعيب ﵇: ﴿وَمَا تَوْفِيقِي إِلَاّ بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ [هود: ٨٨].
قال ابن القيم ﵀: «أجمع العارفون بالله أن التوفيق هو أن لا يكلك الله إلى نفسك، وأن الخذلان هو أن يخلي بينك وبين نفسك» (^١).
وبهذا جاء التوجيه النبوي الكريم، روى أبو داود في سننه من حديث أبي بكرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «دَعَوَاتُ الْمَكْرُوبِ: اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو، فَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَأَصْلِحْ لِي شَانِي كُلَّهُ لَا إِلَهَ إِلَاّ أَنْتَ» (^٢).
ومما يغلط فيه كثير من الناس ظنهم أن من رزق مالًا، أو منصبًا، أو جاهًا، أو غير ذلك من الأمور الدنيوية، أنَّه قد وُفق، والأمر ليس كما ظنوا، فإِنَّ الدنيا يعطيها الله من يحب ومن لا يحب، وقد ذكر الله هذا عن ذلك الإِنسان، وأخبر أن الأمر ليس كما ظن.
قال تعالى: ﴿فَأَمَّا الإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ * كَلَاّ بَل لَا تُكْرِمُونَ اليَتِيمَ﴾ [الفجر: ١٥ - ١٧].
والصواب أن الموفق هو الذي إِذا أُعطي منصبًا، أو جاهًا، استعمله
_________
(^١) مدارج السالكين (١/ ٤٤٥).
(^٢) سنن أبي داود برقم (٥٠٩٠). وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير برقم (٣٣٨٨).
1 / 30