Albert Camus : Essai Sur Sa Pensée Philosophique

Abd Ghaffar Makkawi d. 1434 AH
96

Albert Camus : Essai Sur Sa Pensée Philosophique

ألبير كامي: محاولة لدراسة فكره الفلسفي

Genres

ذلك هو السؤال على الحقيقة. الإجابة عليه تكشف عن حقيقة التمرد، وتحيي جذوته التي كادت تخمد تحت ركام الأحداث. وفي سبيل ذلك يخضع كامي التمرد لبحث تاريخي يحاول أن يفتش فيه عن ذاته؛ لأنه لن يجد أصوله ومبادئه إلا في هذه الذات.

44

ولكي يقرر كامي ما هو التمرد نجده يبدأ بحثه بما ليس بتمرد؛ أعني أنه يسير من عدم الوجود إلى الوجود. وهكذا يحاول أن يكشف عن التسلسل المنطقي الذي سار فيه التمرد، ويوضح موضوعاته الرئيسية التي لا تتغير، عن طريق تحليله لبعض الحقائق الثورية التي استقاها من التاريخ الغربي. وليس كتابه الكبير «المتمرد» سوى محاولة لدراسة بعض الحركات الثورية بمقدار انحرافها عن حقيقة التمرد . هذه الانحرافات التي يعرض علينا آثارها المفزعة من خلال سرده لتاريخ التمرد الميتافيزيقي والثورة التاريخية لا يمكن أن تنسب إلى التمرد؛ فهي انحرافات لا تظهر إلا عندما ينسى المتمرد منابعه الأصيلة، ويسقط متعبا من التوتر المتصل بين «اللا» و«النعم»، حتى ينتهي بالاستسلام للنفي المطلق أو بإلقاء نفسه بين أحضان التأكيد المطلق. والتمرد يحيد عن منبعه حين يمجد أحد القطبين المتضادين في تجربته ويصل به إلى ذروة التطرف. وسوف نحاول الآن أن نقصر أنفسنا على النظر في اثنين من هذه الانحرافات، دون التعرض للتفصيلات التاريخية المضنية التي يزدحم بها كتاب «المتمرد»، آملين أن نقترب عن طريقهما من منبع التمرد وحقيقته. (ج) الانحراف عن التمرد: اللا المطلقة والنعم المطلقة

قلنا منذ البداية إن اللا والنعم مرتبطان في فعل التمرد ارتباطا لا ينفصم؛ فاللا تضرب بجذورها، إن صح هذا التعبير، في النعم، والنعم بدورها كامنة في أعماق اللا. ولقد تتبعنا هذا البناء الديالكتيكي لفكر كامي في أعماله المبكرة في المرحلة السابقة على ظهور المحال، كما كشفنا عنه في بناء المحال نفسه، ثم وجدنا أنه يميز موقف التمرد الحق، الوفي لأصله ومنبعه، الذي لا يجعل من اللا ولا النعم شيئا مطلقا، بل يعين لكل منهما الحد والمقياس الذي ينبغي له أن يقف عنده فلا يتجاوزه. ورأينا بذلك أن التمرد يتميز عن موقفين متطرفين يمكن تحديدهما على النحو التالي: (5)

اللا المطلقة أو نزعة النفي المطلقة. (6)

النعم المطلقة أو نزعة التأكيد والموافقة المطلقة.

وقبل الحديث عن هاتين النزعتين اللتين تظهران في مراحل التمرد الميتافيزيقي والثورة التاريخية نحب أولا أن نفرق بينهما ونوضح ما نقصده بالتمرد الميتافيزيقي؛ فقد بدأ التمرد الميتافيزيقي يدخل في تاريخ الفكر المعاصر عند نهاية القرن الثامن عشر. ومن الطبيعي أن نقابله في مرحلة مبكرة، لدى رائد المتمردين جميعا في كل العصور، ونعني به بروميثيوس؛ فبروميثيوس ، مثله مثل الإنسان المتمرد في العصر الحديث، يكافح الموت، ويحمل رسالة، ويثور حبا للبشر. غير أن اليونان الذين لم يتطرفوا في شيء ولم يكن من طبعهم أن يثيروا النزاع حبا في النزاع، قد جعلوا منه بطلا، تغفر له خطيئته في النهاية. وكلمة البطل نفسها تدلنا على أنه كان نصف إله اختلف مع الآلهة، والأمر عنده لا يزيد عن كونه مجرد شقاق عائلي يمكن أن يسوي في يوم من الأيام؛ فقد كانت لليونان تأملاتهم الميتافيزيقية التي تختلف عن تأملاتنا. كانوا يؤمنون بالقدر، ولكن إيمانهم بالطبيعة التي كانوا يعدون أنفسهم جزءا منها كان أقوى وأشد؛ ومن ثم فقد كان التمرد على الطبيعة شيئا مستحيلا في نظرهم لأنه سينقلب تمردا على ذواتهم. حقا إن اليأس بدأ يعرف طريقه إلى النفس اليونانية في شتاء الفكر اليوناني، ولكن هذا الصدع في الانسجام الشامل بين الطبيعة والإنسان لم يظهر إلا في كتابات أبيقور ولوكريس. وما هو إلا قليل حتى ظهرت بظهور المسيحية فكرة الإله الواحد المتشخص، الذي يخلص بدمه عذاب الإنسان وخطاياه.

نحن إذن من وجهة النظر هذه أبناء قابيل أكثر من أن نكون أتباع بروميثيوس.

45

فبظهور قابيل يتحد التمرد الأول مع الجريمة الأولى، وهكذا يصبح إله العهد القديم هو الذي يحرك طاقة التمرد. وحين يتم العقل المتمرد دورته، يكون عليه - كما فعل باسكال - أن يستسلم في خضوع لإله إبراهيم وإسحق ويعقوب؛ ومن ثم يصبح العهد الجديد محاولة للرد مقدما على كل قابيل يظهر في هذا العالم، بإظهار الإله في صورة رحيمة عطوفة، ووضع وسيط بينه وبين الإنسان.

Page inconnue