Albert Camus : Essai Sur Sa Pensée Philosophique
ألبير كامي: محاولة لدراسة فكره الفلسفي
Genres
وتأتي بعد ذلك تجربتنا مع الطبيعة، فإذا كنا نألف الطبيعة، فمرجع ذلك إلى أننا نشاهد صور عاداتنا منعكسة على سطحها، ولأننا لا نلمسها هي نفسها ولا ندرك مكنوناتها وأغوارها، بل نلمس تصوراتنا وشهواتنا وحاجاتنا التي نسقطها عليها أو نضعها فيها.
17
ولو أننا استطعنا أن نلمس الطبيعة نفسها، لنزعنا القناع عن شيء يختلف تمام الاختلاف عن الوعي الإنساني؛ عندئذ تنهار الكواليس وتسقط الأقنعة؛ عندئذ يتبدى لنا العالم كثيفا وغريبا «درجة أعمق. وإذا الإحساس بالغرابة يستولي علينا، وإذا بنا ندرك أن العالم كثيف، ونحس كيف يكون حجر من الأحجار غريبا عنا، لا سبيل إلى النفاذ إليه، وإلى أي حد تنكرنا الطبيعة أو أحد المشاهد الريفية «هذه الكثافة وهذه الغرابة التي يطالعنا بها العالم هي المحال».»
18
وبعد كل شيء وقبل كل شيء تأتي تجربة الموت. إننا لا نملك تجربة الموت - فتجربة الموت لا يعرفها إلا من يموت، وهو يأخذها معه إلى قبره - وكل ما نملكه هو اليقين بأننا سنموت، وهو أشبه ما يكون باليقين الرياضي. إننا نموت، وموتنا لا مفر منه ولا تفسير له؛ فليس لشيء إذن من معنى، ومغامرة حياتنا باطلة ولا جدوى من وروائها: «وأخيرا أصل إلى الحديث عن الموت وعن شعورنا نحوه. ما من أخلاق ولا من مسعى يمكن تبريره سلفا أمام الرياضة الدموية التي تتحكم فينا وتفرض سلطانها علينا.»
19
ثم يبين كامي كل ما هو لا معقول في هذا العالم، أعني كل ما يفلت من قبضة العقل الإنساني وما لا تسري عليه مبادئه. إنها حجج فلسفية قديمة تلك التي يلجأ إليها ليكشف عن بطلان العقل وزيف المعرفة؛ استحالة التمييز بين الصدق والكذب والحق والباطل: «أريد أن يتضح لي كل شيء أو لا شيء.» «لو استطعت أن أقول مرة واحدة: «هذا واضح» لأمكن إنقاذ كل شيء،
20
واستحالة الفهم؛ أعني استحالة الوصول إلى معنى الحياة وإلى مبدأ واحد أفسر من خلاله جميع ظواهرها: «لست أدري إن كان لهذا العالم معنى يعلو علي. كل ما أدريه أنني لا أعرف هذا المعنى، وأن من المستحيل علي - في هذه اللحظة الراهنة - أن أعرفه. إن المحال هو في هذه اللحظة الرباط الوحيد الذي يصلني بهذا العالم».»
21
Page inconnue