Albert Camus : Essai Sur Sa Pensée Philosophique

Abd Ghaffar Makkawi d. 1434 AH
109

Albert Camus : Essai Sur Sa Pensée Philosophique

ألبير كامي: محاولة لدراسة فكره الفلسفي

Genres

رابعا:

نحن موجودون هذه تعبر عن قيمة التضامن التي تنبني على حركة التمرد، كما سنرى فيما بعد. أما «أنا أتمرد» وحدها فهي تعبر عن تمزق الإنسان المتمرد، عن توتره الدائم وعذابه المتصل من المتناقضات التي يعيش فيها، والتي توقظ الوعي كما رأينا من قبل، فإذا ما استيقظ هذا الوعي عبر عما يعانيه من المتناقضات في التوتر الديالكتيكي الدائم بين الخير والشر، والعدل والظلم، والحياة والموت. هذه المواجهة التي تتقابل فيها التصورات المتضادة هي التي تجعل الوعي وعيا على وجه الإطلاق، وتتيح له النصوع والإشراق كما ذكرنا من قبل. وعن طريق هذه المواجهة أيضا تنشأ فكرة الحد والمقياس؛ ومن ثم نستطيع أن نفهم كيف أن الحد والمقياس توتر خالص، والمحافظة عليه حكم من الإنسان على نفسه بالحياة في تمزق متصل، ولكي ندرك ذلك ينبغي علينا أن نتناول فكرة الحد في شيء من التفصيل. (د) التمرد المعتدل وفكرة الحد والمقياس

التمرد شرط الوجود؛ فلكي يوجد الإنسان، لا بد له أن يتمرد، ولكن لا بد لتمرده من أن يحافظ على الحد الذي لا يجده إلا في نفسه. ولا يبدأ وجود الإنسان إلا حين يجتمع على التمرد مع غيره من الناس.

87

تقول الجوقة في ختام مسرحية «حالة حصار»:

88 «هنالك حدود معينة. والذين لا يريدون أن يوجدوا نظاما، والذين يحاولون أن يحشروا كل شيء داخل نظام واحد، يتساوون في تجاوز هذا الحد.» ولقد استطاع كالياييف ورفاقه من القتلة الأبرياء الحساسيين أن يكبحوا جماح تمردهم وأن يلزموا حدا يقفون عنده ويحترمونه. كانت حياة الأطفال الأبرياء هي التي رسمت لهم هذا الحد فلم يتعدوه. ولقد فشل الاعتداء الأول الذي دبروه على حياة الأمير الأكبر سيرجي لأن كالياييف رفض، ووافقه رفاقه على هذا الرفض، أن يقتل معه الأطفال الذين كانوا يصحبونه في عربته. إنهم يحكمون على الأمير الطاغية بالموت لكي تحيا الملايين. ويقتلون طبيعة إنسانية واحدة لكي ينقذوا الطبيعة الإنسانية الشاملة.

نحن نفهم من كلمة الحد في العادة نقطة أو خطا أو سطحا يبين العلامة الفاصلة بين مكانين أو بين مرحلتين زمنيتين، فإذا لجأنا إلى الاستعارة أمكننا أن نقول إن الحد يمثل نقطة لا يجوز لفعل ولا لمعرفة أن تتعداه. والحد بهذا المعنى يدل على ما يقع ناحيته، كما يدل على ما يتجاوزه إلى ما وراءه؛ أعني أنه يشير إلى وجود الموجود الذي يتخطى الحد إلى اللامحدود، كما يشير إلى موجود آخر يلزم المحدود فلا يتعداه. وهنا نستطيع أن نسأل: هل يتمرد الإنسان لكي يتخطى حدا أم يتمرد لكي يحول دون تخطي هذا الحد؟ وهل يستطيع المتمرد أن يسمح لنفسه في بعض الظروف أن يتخطى الحد لكي يؤكد وجود هذا الحد نفسه؟ وهل يمكن للتمرد أن يكون تمردا على وجه الإطلاق بدون أن يتضمن في ذاته فعل التجاوز والتخطي للحد؟ يبدو أننا بهذه الأسئلة ندور حول أنفسنا دون أن ننتهي إلى جواب حاسم. والواقع أن هذا الجواب يتوقف على ما نفهمه تحت كلمة «الحد».

89

قلنا إن المتمرد إنسان يقول «لا» كما يقول «نعم» في آن واحد. إنه يصرخ ب «اللا» في وجه من يضطهده وينكر عليه حقه في الحرية والحياة، ولكنه كذلك يقول «نعم» مؤكدا وجود حد ينبغي لمضطهده أن يقف عنده.

90

Page inconnue