Albert Camus: Une Très Brève Introduction
ألبير كامو: مقدمة قصيرة جدا
Genres
في ستوكهولم لاستلام الجائزة، احتفت اللجنة والوجهاء المحليون بكامو، لكن وكما رأينا، تحداه أيضا طالب جزائري في إحدى الجلسات النقاشية. فسر مناصرو الجزائر الفرنسية رد كامو الشهير الذي يضع حب الابن لأمه فوق العدالة بأنه إدانة للإرهاب، وفسره مناصرو الاستقلال الجزائري بأنه دفاع عن النظام الاستعماري. خلق هذا لغطا عظيما، وأصبح جدالا عالميا؛ وهو آخر ما كان يبغيه كامو.
مات كامو بعدها بعامين فقط في حادث سيارة. لربما كان سيقول إن موته بلا معنى، وإن كان يقدم بالفعل لمحة عن حياته الشخصية. وقع الحادث في طريق العودة إلى باريس من بيته الريفي بلورمارين جنوبي فرنسا. كانت خطته في الأصل هي السفر بالقطار مع زوجته وطفليه، لكن عوضا عن ذلك وافق على أن يصحب الناشر ميشيل جاليمارد - الذي مات بعدها بأيام متأثرا بإصاباته - وزوجته جانين، وابنته أنوشكا - اللتين كتبت لهما النجاة. حتى وقت الحادث، كانت رحلة لطيفة استغرقت يومين، في سيارة ميشيل الرياضية الجديدة، وتوقفوا خلالها مرتين في مطاعم حائزة على نجمة ميشلان.
قبل أن يغادر كامو صوب باريس، كتب العديد من الخطابات، من بينها ثلاثة إلى عشيقاته وقتها: عارضة الأزياء الدنماركية ميت إيفرس، التي أطلق عليها «مي»، وكاثرين سيللرز، التي مثلت في إحدى مسرحياته؛ ويقال إنها حب حياته الكبير، وماريا كاساريس. وقد أخبر كلا منهن بميعاد وصول مختلف. أسفر هذا الجانب من حياة كامو عن العديد من الأعمال المنشورة، التي تتضمن تقريرا بحجم كتاب عن أيامه الأخيرة ومجلدا ضخما عن مراسلاته الخاصة مع كاساريس، والذي نشر عام 2017، ويغطي أحداث خمسة عشر عاما، ويحوي ما يقارب تسعمائة خطاب، وملاحظات، وبرقيات. (بعد ستين عاما تقريبا من وفاته، أصبح هذا المجلد من أعماله الأكثر مبيعا في فرنسا.) هكذا كانت أهمية كاساريس في حياة كامو، حتى إنه يقال إن فرانسين نفسها أعربت عن قلقها على صحتها وسلامتها يوم جنازته.
في الرابع من يونيو لعام 1960 وخلال الأيام التي تلته، كل ما كان مهما هو أن كامو مات، وكان ذلك مأساة على المستوى القومي. علق موظفو الإذاعة الفرنسية - الذين كانوا في إضراب في ذلك الوقت - حركتهم مؤقتا للسماح بإعلان الخبر. شاركت كاميرات التليفزيون، والعديد من المراسلين، وبالطبع الأصدقاء والعائلة، في الجنازة في لورمارين. وعلى الجانب الآخر من المحيط الأطلنطي، خصصت صحيفة «نيويورك تايمز» مقالا عن «موته العبثي».
وأثيرت مسألة إرثه على الفور. وعندما وجدت مخطوطة مسودة رواية «الرجل الأول» في حطام الحادث، تحفظت عليها السلطات في البداية بأمر من مارلو، ثم أعيدت إلى عائلته. وبعد مداولات طويلة بين الأصدقاء المقربين، بمن فيهم الشاعر رينيه شار وجان جرينييه والروائي لويس جيليو، تقرر عدم نشر الكتاب في حينها، حيث اعتقدوا أنه قد يكون مهيجا سياسيا في خضم حرب أهلية جزائرية.
كان كامو مشهورا في الوقت الذي مات فيه، ويرجع هذا جزئيا إلى حصوله على جائزة نوبل والمقابلة التي أجريت معه بشأن الجزائر في المؤتمر الصحفي الذي تلا ذلك، لكنه لم يكن محبوبا أو مقبولا من قبل الجميع. بعد موته فقط أصبح أكثر من مجرد كاتب مشهور، أصبح ظاهرة ثقافية. فوصلت شعبيته إلى مستوى جديد بداية من سقوط الاتحاد السوفييتي. وترجمت أعماله إلى العديد من اللغات، وأصبحت رواية «الغريب» أحد عمد المناهج الدراسية في العديد من المدارس الثانوية في جميع أنحاء العالم الغربي. وتحولت العديد من رواياته وقصصه القصيرة إلى أفلام، وعرضت مسرحياته حول العالم، وثمة روايات معدلة مصورة عن أعماله، بالإضافة إلى منشورات بحثية عديدة. وكثيرا ما يقتبس السياسيون من كل الأطياف عن كامو ويورده الباحثون في غالب الأمر ليدعموا مجموعة متنوعة من المواقف عادة ما تكون متناقضة. وتعد راوية كامو الأكثر شهرة - «الغريب» - مصدر إلهام مباشر لإحدى أغاني البوب، وثمة كاتب جزائري خط رواية كاملة تكملة لها.
فما الذي في أعمال كامو يجعلها تلهم العديد ليقتبسوا منها، ويناقشوها، ويستخدموها باعتبارها مصدر إلهام لتأليف الكتب والأفلام والأغاني؟
الاستشهاد بمقولات كامو وأفكاره
أحد التفسيرات الممكنة لشهرة كامو في الوقت الحالي هي أن الطبيعة المجردة لفكر كامو تجعله قابلا للإحالة والإسقاط. فهو يتحدث عن وعي مجرد بالطبيعة والفناء، لكنه لا يخبر قراءه ماذا يفعلون بذلك الوعي. ولا تتبع كتاباته أي نظام عقائدي بعينه. لا يتبنى كامو مشروعا بعينه ولا أيديولوجية بعينها، ولعل ذلك يفسر شيئا من شهرته.
لا شك أن تلك الطبيعة المجردة تفسح المجال أمام محاولات «الاستشهاد» بكامو، لكنها تقود أيضا إلى قدر كبير من سوء الفهم. بعد نشر «الإنسان المتمرد»، كانت إحدى أكثر القراءات المغلوطة لفتا للأنظار هي تلك التي جرت في العالم العربي، حيث أسيئ فهم عمل كامو على نطاق شاسع باعتباره سارتريا، أو بيانا ثوريا مؤيدا للقوى الرافضة للاستعمار. أثنى أحد الباحثين من السكان الأمريكيين الأصليين، الذي يحظى بتقدير كبير - وهو فاين ديلوريا - على فقرات لكامو في كتاب «الإنسان المتمرد»، تمجد الطبيعة وتعليها على التاريخ البشري، رغم أن كامو فضل المكان (الطبيعة) على الزمان (التاريخ)، ليس بسبب حبه للطبيعة في ذاتها، بل بسبب أنه رأى أن التاريخ البشري يقود حتما إلى تحرير السكان الأصليين؛ ومن ثم زوال الجزائر الفرنسية. تبنى كامو بالطبع العديد من القضايا علانية على مدار حياته، لكن كان ذلك على أساس كل حالة على حدة، وهو ما أدى إلى تفسيرات متعددة ومختلفة لتلك الالتزامات القصيرة الأجل. فوصف كامو بأنه إنساني، ومن دعاة الفوضى، ومعاد للشيوعية، وديمقراطي اجتماعي، ومن مؤيدي الاستعمار، بل معاد للاستعمار.
Page inconnue