فقلت له: ولكنك تستطيع بيعها.
فقال في شيء من العتب: لست أبيع وزي في الأسواق يا صديقي، وهي تكلفني في إطعامها ما لا طاقة لي به، فإذا أخذت منها ما تريد أحسنت إلي.
وهكذا صرت عنده متفضلا بأن آخذ من وزاته ما أرد به ديني إلى القاضي، ولم يرض أن يتركني حتى أخذت عشرين وزة سمينة، وسار معي نسوقها إلى البيت القاضي.
وسرت في الطريق أفكر في تلك الحكم التي نطق بها القاضي؛ إذ قال لي إن الرزق مكفول لمن التمسه. وأردت أن أداعبه مداعبة خفيفة تطلعه على شيء مما دار في قلبي. فلما بلغت داره أخذت وزة سمينة وجعلتها وراء الباب، وسقت تسع عشرة وزة إلى فناء الدار. وكان القاضي هناك في مجلسه بعد أن فرغ من صلاة العصر، فلما رآني مقبلا قام يستقبلني قائلا: ما أعظمه من وز سمين، إنك لتحسن الشراء يا جحا، ولن أشتري الوز بعد هذا إلا من عندك.
ثم أقبل على الوز يعده واحدة بعد واحدة، فلما وجدها تسع عشرة قال ممتعضا: ولكنها تنقص واحدة، وما كنت لأقبل إلا عشرين كاملة، هكذا كان شرائي وهكذا كان شرطي. لست أحب أن تنقصني وزة وقد أخذت ثمنها.
فغاظني قوله غيظا شديدا؛ فإنه لم يعطني إلا أربعين درهما والوزة من هذه السمان لا تساوي أقل من أربعة دراهم. ولكني كظمت غيظي وقلت له: أما تعرف العدد يا سيدي القاضي؟
فعدها مرة ثانية ثم ثالثة وقال في حنق: قلت لك إنها تسع عشرة.
فقلت له في عناد: بل هي عشرون، تكفي عشرين من رجالك.
فقال لي: أما تعدها؟
فقلت: إن الوز يتحرك ويدخل بعضه في بعض فكيف أعده؟
Page inconnue