فتكونا من الظالمين (36) فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه
القرب لأجل بيان التحذر من الأكل منها كقوله تعالى ( ولا تقربوا مال اليتيم ). و ( لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى ). ولم يصح ما روي في حقيقة الشجرة. والنهي هاهنا للإرشاد. لا للتحريم بدليل قوله تعالى في بيان الحال في سورة طه المكية 115 118 انه عدو لكما ( فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى ) اي تقع في شقاء العيش ومشقته ويؤكد دلالة السياق على ذلك انه نسب الشقاء إلى آدم دون زوجته نظرا إلى ما جرت به العادة في الأرض في ان الرجل هو الذي يتعب في تحصيل المعيشة والمرأة عيال عليه ( إن لك ألا تجوع فيها ) اي في الجنة ( ولا تعرى وأنك لا تظمؤا فيها ولا تضحى ) ولا تحتاج لأن تتعب فكرك وبدنك في تحصيل المأكول والملبوس والمشروب والشيء الذي يظلك من حرارة الشمس. فلم يرتب على إخراج إبليس لهما اثم معصية وفسق خروج عن الطاعة ولا حذره من ذلك كما يقتضيه اللطف فالنهي لمحض الإرشاد إلى ان لا يقع في ورطة الأكل المستتبع بحسب الحكمة للخروج من نعيم الجنة إلى شقاء عيش الأرض وتعبه . وإن مخالفة النهي الإرشادي تسمى ايضا معصية وما كل معصية تساوي الذنب والإثم ( فتكونا من الظالمين ) لأنفسكما بالخروج من النعيم إلى التعب. ومثل هذا الظلم لا يستوجب ذما ولا يعد ذنبا. والظلم في اللغة يساوق وضع الشيء في غير محله. وضد الإنصاف او العدول ومنه الحديث لزموا الطريق فلم يظلموه اي لم يعدلوا عنه. ولقد اغرب من قال ان الظلم اسم ذم لا يجوز ان يطلق على غير المستحق للعن لقوله تعالى ( ألا لعنة الله على الظالمين ). أفلا يدري ان الآية المذكورة وردت في سورة الأعراف 42 وسورة هود 21 ( على الظالمين الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالآخرة كافرون ) 36 ( فأزلهما الشيطان عنها ) زلت قدمه ورجله لم تثبت في مكانها وتحولت عنه وكذا الإنسان وأزله حمله او ألجأه إلى الزلة والزلل فأزلهما الشيطان بوسوسته وغوايته ومخادعته باليمين الكاذبة عن الوصية المدلول عليها بقوله تعالى ( ولا تقربا هذه الشجرة ). و ( فلا يخرجنكما من (1) الجنة فتشقى ). او ازلهما عن الجنة ولم يتركهما ثابتين فيها. وقد رويت في كيفية وصوله إليهما بالوسوسة والمخاطبة بالإغواء روايات لم تصح ( فأخرجهما ) صار بإغوائه لهما سببا لخروجهما من حيث تبدل المصلحة في إسكانهما الجنة فنسب الإخراج اليه على سبيل المجاز في الاسناد ( مما كانا فيه ) من النعيم
Page 86