73

فهم لا يرجعون أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط

جمع أعمى شبهوا بذلك لأنهم بإصرارهم على الغي قد أخرجوا أنفسهم عن الانتفاع والاهتداء بما يسمعون من الدلائل والوعظ والإنذار والتعليم وعن الاهتداء بسؤالهم عن الحق ومكالمتهم في ذلك وعن الانتفاع بما يشاهدونه مما يوضح لهم سبيل الرشد ( فهم لا يرجعون ) إلى حقيقة الإيمان إذ قد استحوذ عليهم الشيطان 19 ( أو كصيب من السماء ) عطف بأو لأجل التنبيه بالترديد بين المثلين على اختلاف مجراهما ومغزاهما. فكأنه قيل ان شئت ضرب المثل لحال المنافقين مع الإسلام وهداه بالذي استوقد نارا إلى آخره. وان شئت ضرب المثل لشأن الإسلام مع المنافقين فإن مثله كمثل صيب من السماء وحذف لفظ المثل لدلالة ما سبق وسياق الكلام عليه. والصيب هو المنهمل النازل من العلو والسماء جهة العلو فوق الأرض فالمراد من الصيب هو المطر الغزير المنصب والذي تحيى به الأرض وتزهر بنباتها وينمو به الزرع والضرع وهو قوام المعيشة للناس وخصوص العرب وأهل البوادي والأنعام ولكنه مع ذلك لا يخلو من ان تقارنه ظلمات تتتابع كلما اكفهر السحاب الهاطل وادلهمت به الآفاق خصوصا إذا كان بالليل. ولذا وصف المطر الصيب بالتوسع في الظرفية بأنه ( فيه ظلمات ورعد وبرق ) إذ لا ينفك عن الرعد والبرق والصواعق وهي الرعود القاصفة المخيفة بصوتها وهي المرادة في الآية وان كانت الصاعقة ايضا اسما للنار النازلة مع ذلك الرعد المخيف. فالإسلام للناس ونظام اجتماعهم كالمطر الصيب فيه حياتهم وسعادتهم في الدارين وزهرة الأرض بالعدل والصلاح والأمن وحسن الاجتماع ولكن معاندة المعاندين للحق وأهله جعلت الإسلام كالمطر لا يخلو من ظلمات شدائد وحروب ومعاداة من المشركين ورعود قتل وقتال وتهديدات مزعجات لغير الصابرين من ذوي البصائر والذين ارخصوا نفوسهم في سبيل الله ونيل السعادة. وفيه بروق من النصر وآمال الظفر واغتنام الغنائم وعز الانتصار والمنعة والهيبة. فهم إذا سمعوا صواعق الحرب أخذهم الهلع والحذر من القتل وشبهت حالهم في ذلك بأنهم ( يجعلون أصابعهم في آذانهم من ) اجل ( الصواعق حذر الموت ) وخوفا من أن تخلع قلوبهم من هول أصواتها. وسفها لعقولهم اين يفرون عن الموت وماذا يجديهم حذرهم ( والله محيط

Page 74