Les avertissements concernant la perpétration des grands péchés

Ibn Hajar Haytami d. 974 AH
35

Les avertissements concernant la perpétration des grands péchés

الزواجر عن اقتراف الكبائر

Maison d'édition

دار الفكر

Numéro d'édition

الأولى

Année de publication

١٤٠٧هـ - ١٩٨٧م

وَالْإِنْجِيلَ وَالْقُرْآنَ، فَقَالَ لَئِنْ عَلَّمْتَنِي هَذِهِ الثَّلَاثَةَ لَا أَسْأَلُك عَنْ شَيْءٍ، فَقَالَ: خِفْ اللَّهَ مَخَافَةً حَتَّى لَا يَكُونَ عِنْدَك شَيْءٌ أَخْوَفَ عِنْدَك مِنْهُ، وَارْجُهُ رَجَاءً أَشَدَّ مِنْ خَوْفِك إيَّاهُ، وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِك. وَيُؤَيِّدُ قَوْلَهُ: - إنَّ الْعَالِمَ لَا يُخَرِّفُ - قَوْلُ عِكْرِمَةَ فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ﴾ [النحل: ٧٠] مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ: - أَيْ بِحَقِّهِ - لَا يَصِلُ لِهَذِهِ الْحَالَةِ، فَالْمُرَادُ بِكَوْنِ الْعَالِمِ لَا يُخَرِّفُ أَنَّهُ لَا يَصِلُ إلَى خَرَفِ الْعَوَامّ مِنْ عَوْدِ الْكَبِيرِ كَالطِّفْلِ فِي سَائِرِ أَحْوَالِهِ، بَلْ أَقْبَحَ مِنْهُ، فَهَذَا هُوَ الَّذِي تُصَانُ عَنْهُ الْعُلَمَاءُ بِاَللَّهِ. وَفَسَّرَ مُجَاهِدٌ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ﴾ [الرحمن: ٤٦] فَقَالَ: هُوَ الَّذِي يَهُمُّ بِالْمَعْصِيَةِ فَيَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى فَيَدَعُهَا وَيَتْرُكُهَا خَوْفًا وَحَيَاءً مِنْ اللَّهِ تَعَالَى. وَرُوِيَ أَنَّ شَابًّا تَقِيًّا عَابِدًا مُلَازِمًا لِلْمَسْجِدِ فِي زَمَنِ عُمَرَ أَحَبَّتْهُ امْرَأَةٌ فَدَعَتْهُ إلَى نَفْسِهَا حَتَّى اخْتَلَى بِهَا ثُمَّ ذَكَرَ وُقُوفَهُ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهِ فَخَرَّ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ فَأَخْرَجَتْهُ وَأَلْقَتْهُ عَلَى بَابِهَا فَجَاءَ أَبُوهُ وَحَمَلَهُ إلَى بَيْتِهِ فَاصْفَرَّ وَارْتَعَدَ حَتَّى مَاتَ فَجُهِّزَ وَدُفِنَ فَوَقَفَ عُمَرُ عَلَى شَفِيرِ قَبْرِهِ وَقَرَأَ: ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ﴾ [الرحمن: ٤٦] فَنُودِيَ مِنْ قَبْرِهِ إنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَانِيهِمَا يَا عُمَرُ وَأَعْطَانِي الرِّضَا. عَنْ يَحْيَى بْنِ مُعَاذٍ قَالَ: مِنْ أَعْظَمِ الِاغْتِرَارِ أَنَّ الْمُذْنِبَ يَرْجُو الْعَفْوَ مِنْ غَيْرِ نَدَامَةٍ، وَيَتَوَقَّعُ الْقُرْبَ مِنْ اللَّهِ بِغَيْرِ طَاعَةٍ، وَيَنْتَظِرُ الْجَزَاءَ بِلَا عَمَلٍ وَيَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ مَعَ الْإِفْرَاطِ وَأَعْظَمُ حَامِلٍ عَلَى خَوْفِ اللَّهِ تَعَالَى وَخَشْيَةِ سَطْوَتِهِ الْعِلْمُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر: ٢٨] وَمِنْ ثَمَّ غَلَبَ الْخَوْفُ عَلَى عُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ حَتَّى قَالَ أَبُو بَكْرٍ ﵁: لَيْتَنِي كُنْتُ شَعْرَةً فِي صَدْرِ مُؤْمِنٍ. وَقَالَ عُمَرُ عِنْدَ مَوْتِهِ: الْوَيْلُ لِعُمَرَ إنْ لَمْ يُغْفَرْ لَهُ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَيْتَنِي إذَا مِتُّ لَا أُبْعَثُ. وَقَدْ يَسْتَشْكِلُ هَذَا التَّمَنِّي بِمَا مَرَّ فِي الْمُكَفِّرَاتِ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ حَقِيقَةَ التَّمَنِّي، بَلْ إظْهَارَ أَنَّ لَهُ قَبَائِحَ يَخَافُ مِنْ الْمُؤَاخَذَةِ بِهَا بَعْدَ الْبَعْثِ. وَنَظِيرُ ذَلِكَ مَا وَقَعَ لِأُسَامَةَ حِبِّ رَسُولِ اللَّهِ وَابْنِ حِبِّهِ حَيْثُ قَتَلَ مَنْ نَطَقَ بِالشَّهَادَتَيْنِ ظَنًّا أَنَّهُ إنَّمَا نَطَقَ بِهِمَا اتِّقَاءً لَا حَقِيقَةً فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَعَاتَبَهُ وَكَرَّرَ

1 / 38