Les avertissements concernant la perpétration des grands péchés
الزواجر عن اقتراف الكبائر
Maison d'édition
دار الفكر
Numéro d'édition
الأولى
Année de publication
١٤٠٧هـ - ١٩٨٧م
Genres
Fiqh chaféite
الْخُلُقِ، وَحُسْنُهُ يَرْجِعُ إلَى اعْتِدَالِ قُوَّةِ الْعَقْلِ بِكَمَالِ الْحِكْمَةِ، وَإِلَى اعْتِدَالِ الْقُوَّةِ الْغَضَبِيَّةِ وَالشَّهَوِيَّةِ، وَإِطَاعَةِ كُلٍّ مِنْهَا لِلْعَقْلِ مَعَ الشَّرْعِ، ثُمَّ هَذَا الِاعْتِدَالُ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِجُودٍ إلَهِيٍّ وَكَمَالٍ فِطْرِيٍّ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِاكْتِسَابِ أَسْبَابِهِ مِنْ الْمُجَاهَدَةِ وَالرِّيَاضَةِ بِأَنْ يَحْمِلَ نَفْسَهُ عَلَى كُلِّ عَمَلٍ يُوجِبُ حُسْنَ خُلُقِهَا وَيُضَادُّ سُوءَ طَوِيَّتِهَا إذْ هِيَ لَا تَأْلَفُ رَبَّهَا وَلَا تَأْنَسُ بِذِكْرِهِ إلَّا إذَا فُطِمَتْ عَنْ عَادَتِهَا وَحُفِظَتْ عَنْ شَهَوَاتِهَا بِالْخَلْوَةِ وَالْعُزْلَةِ أَوَّلًا لِيُحْفَظَ السَّمْعُ وَالْبَصَرُ عَنْ الْمَأْلُوفَاتِ، ثُمَّ بِإِدْمَانِ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ فِي تِلْكَ الْخَلْوَةِ إلَى أَنْ يَغْلِبَ عَلَيْهِ الْأُنْسُ بِاَللَّهِ وَبِذِكْرِهِ، فَحِينَئِذٍ يَتَنَعَّمُ بِهِ فِي نِهَايَتِهِ، وَإِنْ شَقَّ عَلَيْهِ فِي بِدَايَتِهِ، وَرُبَّمَا ظَنَّ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ أَدْنَى مُجَاهَدَةٍ بِتَرْكِ فَوَاحِشِ الْمَعَاصِي أَنَّهُ قَدْ هَذَّبَهَا وَحَسَّنَ خُلُقَهَا، وَأَنَّى لَهُ بِذَلِكَ وَلَمْ تُوجَدْ فِيهِ صِفَاتُ الْكَامِلِينَ وَلَا أَخْلَاقُ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا﴾ [الأنفال: ٢] إلَى أَنْ قَالَ: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا﴾ [الأنفال: ٤] وَقَالَ تَعَالَى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [المؤمنون: ١] ﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ [المؤمنون: ٢] إلَى أَنْ قَالَ ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ﴾ [المؤمنون: ١٠] ﴿الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [المؤمنون: ١١] وَقَالَ تَعَالَى: ﴿التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ﴾ [التوبة: ١١٢] إلَى ﴿وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [التوبة: ١١٢] وَقَالَ ﷿: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا﴾ [الفرقان: ٦٣] إلَى آخِرِ السُّورَةِ.
فَمَنْ أَشْكَلَ عَلَيْهِ حَالُ نَفْسِهِ فَلْيَعْرِضْهَا عَلَى هَذِهِ الْآيَاتِ وَنَظَائِرِهَا، فَوُجُودُ جَمِيعِ هَذِهِ الصِّفَاتِ عَلَامَةُ حُسْنِ الْخُلُقِ، وَفَقْدُ جَمِيعِهَا عَلَامَةُ سُوءِ الْخُلُقِ وَوُجُودُ الْبَعْضِ يَدُلُّ عَلَى الْبَعْضِ. وَقَدْ أَشَارَ ﷺ إلَى مَجَامِعِ مَحَاسِنِ الْأَخْلَاقِ بِقَوْلِهِ: «الْمُؤْمِنُ يُحِبُّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» وَيَأْمُرُهُ بِإِكْرَامِ الضَّيْفِ وَالْجَارِ، وَبِأَنَّ الْمُؤْمِنَ إمَّا أَنْ يَقُولَ خَيْرًا أَوْ يَصْمُتَ، وَبِمَا جَاءَ: «إذَا رَأَيْتُمْ الْمُؤْمِنَ صَمُوتًا وَقُورًا فَادْنُوا مِنْهُ فَإِنَّهُ يُلْقِي الْحِكْمَةَ» .
«لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُشِيرَ إلَى أَخِيهِ بِنَظَرٍ يُؤْذِيهِ» . «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا» . «إنَّمَا يَتَجَالَسُ الْمُتَجَالِسَانِ بِأَمَانَةِ اللَّهِ فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُفْشِيَ عَلَى أَخِيهِ مَا يَكْرَهُ» .
وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ عَلَامَاتِ حُسْنِ الْخُلُقِ فَقَالَ: أَنْ يَكُونَ كَثِيرَ الْحَيَاءِ، قَلِيلَ الْأَذَى، كَثِيرَ الصَّلَاحِ، صَدُوقَ اللِّسَانِ، قَلِيلَ الْكَلَامِ، كَثِيرَ الْعَمَلِ، قَلِيلَ الْفُضُولِ، قَلِيلَ الزَّلَلِ، وَهُوَ بَرٌّ وَصُولٌ وَقُورٌ صَبُورٌ رَضِيٌّ شَكُورٌ حَلِيمٌ، رَفِيقٌ عَفِيفٌ شَفِيقٌ لَا لَمَّازٌ وَلَا سَبَّابٌ وَلَا نَمَّامٌ وَلَا مُغْتَابٌ وَلَا عَجُولٌ وَلَا حَقُودٌ وَلَا بَخِيلٌ وَلَا
1 / 144