Al-Wadhi in Quranic Sciences
الواضح في علوم القرآن
Maison d'édition
دار الكلم الطيب / دار العلوم الانسانية
Numéro d'édition
الثانية
Année de publication
١٤١٨ هـ - ١٩٩٨ م
Lieu d'édition
دمشق
Genres
مقدّمة
الحمد لله حمدا كثيرا طيّبا، أنزل القرآن الكريم كاملا وشاملا، ومن أيّ تناقض أو ارتياب سالما، قال الله تعالى:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا [الكهف: ١].
وجعل التّدبّر في آياته مقصدا، والوصول إلى إتقان تلاوته ولذّة قراءته هدفا وموئلا، فقال سبحانه: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا [النساء: ٨٢].
والصّلاة والسّلام على رسول الله، بعثه الله رحمة للعالمين، وأيّده بقرآنه المعجزة وكلامه المبين، ورضي الله عن أصحابه والتّابعين، ومن اتّبع سبيلهم، فاتّبع هدي القرآن وصراطه المستقيم، إلى يوم الدّين.
وبعد:
فإنّ القرآن الكريم عظيم الفضل رفيع المنزلة في حياة المسلمين جميعا، ماضيا وحاضرا ومستقبلا، وتتجلّى مكانته السّامقة في حفظه من كلّ تحريف أو تبديل، وفي إعجازه لجميع بني البشر أن يأتوا بأقصر سورة من مثله، ولو كان بعضهم لبعض عونا وظهيرا.
وهو شرف وفخار للرسول الكريم ﷺ، ولأمّته الماجدة المتمسّكة بمبادئ
1 / 5
الكتاب العزيز وأحكامه قولا وعملا، قال الله تعالى:
وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ [الزخرف: ٤٤].
ومن آياته وسوره الكريمات تستمدّ الأمّة المسلمة عقيدتها الحنيفية، وعبادتها الصحيحة، وأخلاقها الكريمة، وأحكامها القويمة: إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء: ٩].
وفي ثنايا صفحات القرآن المباركة، تتجلّى تجارب الأمم، وتاريخ الإنسانية، وحياة الأنبياء، فيتطلّع المسلمون إلى حاضر سعيد ومستقبل رغيد، على بصيرة وعلم بالماضي الحافل بالعظات والعبر، وعلى هدي من النّداءات الإلهية الحانية، تدعوهم صباح مساء إلى العزّة والمجد في حاضرهم ومستقبلهم.
وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ [المنافقون: ٨].
وكلّ هذه الحقائق المرتبطة بأهمية القرآن، منوطة بمعرفة علومه ومرهونة بفهم تنزّلاته، وطرائق جمعه وكتابته وحفظه، وكيفيّة رسمه، ووجوه إعجازه، ومناهج تفسيره وفهمه، والتعرّف على أحكام تجويده، وأساليب بيانه.
إنّ التلاوة لكتاب الله، المسبوقة بهذه الثقافة القرآنية، لا بدّ أن تصل إلى غاياتها في الثّواب والخشوع، والفهم والعمل.
وقد كان هدفنا في جميع أبواب الكتاب وفصوله، أن يبقى القرآن الكريم في بؤرة الضّوء شاهدا ومشهودا، وأمام السمع والبصر والوجدان مقروءا ومتلوّا. وقد توخينا فيما كتبناه أو اخترناه العبارة الواضحة، والأسلوب السهل، وأبعدنا كلّ البعد عن المناقشات اللّفظية، والخلافات الشّكلية التي لا ينبني عليها كبير فائدة، والتي من شأنها أن تبعد القارئ عن جوّ التّدبّر والفهم، والاعتزاز بقدسيّة وحفظ الكتاب العزيز.
وقد أضفنا بابا تطبيقيا يحتوي على فصلين:
1 / 6
الأول: سبعة نصوص تطبيقية مدروسة لمعظم البحوث المتقدمة.
والثاني: نصوص تطبيقية للدراسة، وأسئلة وتطبيقات على جميع موضوعات الكتاب، للأخذ بيد القارئ والدارس إلى تذوق فنون علوم القرآن بشكل عملي ومنهجي.
اللهمّ تقبّل منا هذا العمل، واكتبه يا ربنا في صحائف أعمالنا، واختم لنا بالحسنى يا رحمن يا رحيم.
دمشق في ١/ ١٢/ ١٤١٦ هـ ٧/ ٥/ ١٩٩٦ م المؤلفان الدكتور مصطفى البغا محيي الدين مستو
1 / 7
مدخل تمهيدي تعريف «علوم القرآن» وموضوعه وفائدته وتاريخه
١ - تعريف «علوم القرآن»
هو مباحث تتعلق بالقرآن الكريم من ناحية نزوله وترتيبه، وجمعه وكتابته، وقراءاته، ومحكمه ومتشابهه، وناسخه ومنسوخه، وإعجازه، وأساليبه ودفع الشبه عنه ... إلخ ذلك.
ويتضح من هذا التعريف أن (علوم القرآن) علم عربي إسلامي في نشأته وتكوينه، بدأ مع نزول القرآن الكريم، وما زال ينضج ويتكامل حتى قيام الساعة.
٢ - موضوعه
القرآن الكريم من أية ناحية من النواحي المذكورة في التعريف.
٣ - فائدته
الثقافة العالية العامة في القرآن الكريم، والتسلّح بالمعارف القيّمة فيه، استعدادا لحسن الدفاع عن حمى الكتاب العزيز، وتسهيل خوض غمار تفسير القرآن الكريم، وهو من هذه الناحية كمثل علوم الحديث (المصطلح) لمن أراد أن يدرس علم الحديث.
٤ - تاريخ علوم القرآن
أ- عهد ما قبل التدوين: كان رسول الله ﷺ وأصحابه يعرفون عن القرآن وعلومه ما عرفه العلماء من بعد، ولكن معرفتهم لم تدوّن، ولم تجمع في كتاب،
1 / 8
لعدم حاجتهم إلى ذلك، فقد كان رسول الله ﷺ بين أظهرهم ينزل عليه الوحي فيرتّله على مسامعهم، ويكشف لهم عن معانيه وأسراره بوحي من ربّه، وكان الصحابة عربا خلّصا، يتّصفون بقوة الذاكرة وتذوّق البيان وتقدير الأساليب، فأدركوا من علوم القرآن ما لم ندركه نحن، وكانت الأمية متفشية بينهم ووسائل الكتابة بدائية وغير ميسّرة لديهم، ومع ذلك فقد نشطوا في نشر الإسلام وتعاليمه والقرآن وعلومه تلقينا ومشافهة.
ب- عهد التمهيد لكتابة علوم القرآن: إنّ ما تمّ في عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان ﵁ من جمع القرآن في مصحف إمام، ونسخ عدة نسخ منه لإرسالها إلى الأقطار الإسلامية- والذي نفصّل فيه القول في الباب الثالث من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى- كان الأساس لما يسمّى «علم رسم القرآن». وفي عهد عليّ ﵁ وضع الأساس لما يسمّى «علم النحو» بعد أن أمر عليّ ﵁ أبا الأسود الدؤلي أن يضع بعض القواعد، لحماية لغة القرآن من العجمة وتفشي اللحن بين الناس.
وفي العهد الأمويّ ساهم عدد من الصحابة والتابعين في وضع الأساس لما يسمّى «علم التفسير» و«علم أسباب النزول» و«علم الناسخ والمنسوخ» و«علم غريب القرآن».
ج- عهد التدوين: وفي هذا العهد ألّفت الكتب في أنواع علوم القرآن، واتّجهت الهمم أول الأمر إلى التفسير باعتباره أمّ العلوم القرآنية، ومن أوائل من كتب في التفسير شعبة بن الحجاج، وسفيان بن عيينة، ووكيع بن الجراح. وتفاسيرهم جامعة لأقوال الصحابة والتابعين، ثم تلاهم الطبري المتوفى سنة (٣١٠ هـ). وفي علوم القرآن الأخرى كتب علي بن المديني- شيخ البخاري- المتوفى سنة (٢٣٤ هـ) كتابا في «أسباب النزول» وأبو عبيد القاسم بن سلّام المتوفى سنة
1 / 9
(٢٢٤ هـ) كتب في «الناسخ والمنسوخ» وكلاهما من علماء القرن الثالث.
وأبو بكر السجستاني المتوفى (٣٣٠ هـ) كتب في «غريب القرآن» وهو من القرن الرابع، وعليّ بن سعيد الحوفي صنف في «إعراب القرآن» وهو من علماء القرن الخامس. وفي هذا القرن الخامس ظهر اصطلاح «علوم القرآن» وأول من كتب فيه هو علي بن سعيد الحوفي المتوفى سنة ٤٣٠ هـ واسم كتابه: «البرهان في علوم القرآن» ويقع في ثلاثين مجلدا، والموجود منه الآن في دار الكتب المصرية (١٥) مجلدا. وفي القرن السادس ألّف ابن الجوزي المتوفى سنة (٥٩٧ هـ) كتابين هما:
«فنون الأفنان في علوم القرآن» و«المجتبى في علوم تتعلق بالقرآن».
وفي القرن السابع ألّف علم الدين السخاوي المتوفى سنة (٦٤١ هـ) كتابا سمّاه «جمال القراء». وألّف أبو شامة المتوفى سنة (٦٦٥ هـ) كتابا سمّاه «المرشد الوجيز فيما يتعلق بالقرآن العزيز».
وفي القرن الثامن كتب بدر الدين الزركشي المتوفى سنة (٧٩٤ هـ) كتابا وافيا سماه «البرهان في علوم القرآن». وألّف تقي الدين أحمد بن تيمية الحرّاني المتوفى سنة (٧٢٨ هـ) رسالة في أصول التفسير، وهي مشتملة على بعض موضوعات علوم القرآن.
وفي القرن التاسع: ألّف محمد بن سليمان الكافيجي المتوفى سنة (٨٧٣ هـ) كتابا في علوم القرآن، وألّف جلال الدين البلقيني المتوفى سنة (٨٢٤ هـ) كتابه «مواقع العلوم من مواقع النجوم».
وفي القرن العاشر ألّف جلال الدين السيوطي المتوفى سنة (٩١١ هـ) كتابه المشهور «الإتقان في علوم القرآن» وهو من أجمع الكتب في موضوعه، لأنه استفاد من مؤلفات السابقين وزاد عليها «١».
_________
(١) مناهل العرفان؛ للزرقاني (١/ ٥ - ٣٢).
1 / 10
وفي عصر النهضة الحديثة أثرت المكتبة العربية وازدانت بمؤلفات عديدة في الموضوعات القرآنية وفي علوم القرآن بالذات ونستطيع أن نعدّ منها على سبيل المثال لا الحصر:
«التبيان في علوم القرآن» للشيخ طاهر الجزائري.
«منهج الفرقان في علوم القرآن» للشيخ محمد علي سلامة.
«مناهل العرفان في علوم القرآن» للشيخ محمد عبد العظيم الزرقاني.
«مباحث في علوم القرآن» للدكتور صبحي الصالح.
«من روائع القرآن» للدكتور محمد سعيد رمضان البوطي.
«مباحث في علوم القرآن» للأستاذ مناع القطان.
1 / 11
الباب الأوّل معنى القرآن وفضله واحترامه
أولا: معنى القرآن لغة، وأسماؤه.
ثانيا: تعريف القرآن الكريم اصطلاحا.
ثالثا: فضل القرآن الكريم وأهميته في حياة المسلمين.
رابعا: فضل تلاوة القرآن الكريم.
خامسا: احترام القرآن الكريم.
1 / 12
أولا: معنى القرآن لغة وأسماؤه
«القرآن» هو أول أسماء الكتاب العزيز وأشهرها، وأصحّ الأقوال في شرح معناه اللغوي أنه مرادف للقراءة، ومنه قوله تعالى: إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ [القيامة: ١٧ - ١٨] ثم نقل من هذا المعنى المصدري وجعل اسما لكلام الله المنزل على نبيه محمد صلوات الله وسلامه عليه.
وقد قيل: إن اسم القرآن مشتق من القرء بمعنى الجمع؛ لأنه جمع ثمرات الكتب السماوية السابقة، والرأي الأوّل أصح.
وذهب الإمام الشافعي ﵁ إلى أن لفظ القرآن ليس مشتقا ولا مهموزا، وأنه قد ارتجل وجعل علما للكتاب المنزل، كما أطلق اسم التوراة على كتاب موسى، والإنجيل على كتاب عيسى ﵉.
ومن أسماء القرآن: الفرقان، ويعني أنه الكلام الذي يفرّق بين الحق والباطل.
قال تعالى: تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيرًا [الفرقان: ١] ومن أسمائه المشهورة: الكتاب، والذكر، والتنزيل. قال تعالى: نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِما بَيْنَ يَدَيْهِ [آل عمران: ٣] وقال سبحانه: وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ [الأنبياء: ٥٠] وقال: وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ [الشعراء: ١٩٢].
ويقف الدكتور محمد عبد الله دراز في كتابه القيم «النبأ العظيم» عند أشهر اسمين وهما «القرآن» و«الكتاب» ليستجلي الحكمة الربانية في ذلك، فيقول: روعي في
1 / 13
تسميته «قرآنا» كونه متلوّا بالألسنة، كما روعي في تسميته «كتابا» كونه مدوّنا بالأقلام، فكلتا التسميتين من تسمية شيء بالمعنى الواقع عليه.
وفي تسميته بهذين الاسمين إشارة إلى أن من حقه العناية بحفظه في موضعين لا في موضع واحد، أعني أنه يجب حفظه في الصدور والسطور جميعا، أن تضلّ إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى، فلا ثقة لنا بحفظ حافظ حتى يوافق الرسم المجمع عليه من الأصحاب، المنقول إلينا جيلا بعد جيل على هيئته التي وضع عليها أول مرة، ولا ثقة لنا بكتابة كاتب حتى يوافق ما هو عند الحفّاظ بالإسناد الصحيح المتواتر.
وبهذه العناية المزدوجة التي بعثها الله في نفوس الأمة المحمدية اقتداء بنبيّها بقي القرآن في حرز حريز، إنجازا لوعد الله الذي تكفّل بحفظه حيث يقول: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ [الحجر: ٩] ولم يصبه ما أصاب الكتب الماضية من التحريف والتبديل وانقطاع السند «١».
_________
(١) النبأ العظيم، للدكتور عبد الله دراز (ص ١٢).
1 / 14
ثانيا: تعريف القرآن الكريم اصطلاحا
القرآن هو اللفظ العربي المعجز، الموحى به إلى محمد ﷺ بواسطة جبريل ﵇، وهو المنقول بالتواتر، المكتوب في المصحف، المتعبد بتلاوته، المبدوء بسورة الفاتحة، والمختوم بسورة الناس.
شرح عناصر التعريف:
أ- المعجز:
القرآن هو معجزة الرسول الكبرى، وقد أعجز العرب وهم أهل الفصاحة بما تضمّنه من فصاحة وبلاغة، وأنباء الغيب، وأخبار الأمم السابقة، وما حواه القرآن من إعجاز علمي وتشريع محكم دقيق صالح لكل زمان ومكان، ومن الثابت أن النبيّ ﷺ تحدّى قومه بالقرآن وأنهم عجزوا عن الإتيان بمثله، قال تعالى:
قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا [الإسراء: ٨٨].
وتحدّاهم بعد ذلك أن يأتوا بعشر سور، قال تعالى: قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ [هود: ١٣].
ولما عجزوا أيضا هذه المرة تحدّاهم أن يأتوا بأقصر سورة من مثله، قال تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [البقرة: ٢٣].
ولا شكّ أن هذا الإعجاز هو المقصد الأوّل من إنزال القرآن إثباتا لرسالة ونبوّة
1 / 15
محمد ﵊، ويأتي الكلام عن وجوه الإعجاز مفصلا في الباب الرابع من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.
ب- الموحى به:
والقرآن الكريم بجميع ألفاظه ومعانيه منزل من الله تعالى على محمد بن عبد الله ﷺ بواسطة جبريل ﵇، قال تعالى: وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٩٢) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤) بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشعراء:
١٩٢ - ١٩٥].
وقال سبحانه: إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى [النجم: ٤]. وهذا أهم عنصر في تعريف القرآن، وتحديد ماهيته، وتعيين مصدره، وواسطة نقله. ولذلك لا بد من دراسة علمية وافية وموجزة عن كلمة الوحي وبيان معناها اللغوي والاصطلاحي.
١ - معنى الوحي لغة وشرعا:
لغة: يقال وحيت إليه وأوحيت: إذا كلّمته بما تخفيه عن غيره. والوحي:
الإشارة السريعة، ويكون ذلك على سبيل الرمز والتعريض، وقد يكون بصوت مجرّد وبإشارة ببعض الجوارح. فمادة الكلمة إذا تدل على معنيين أصليين هما الخفاء والسرعة، ولذا قيل في معناه: الإعلام الخفي السريع الخاص بمن يوجّه إليه بحيث يخفى على غيره. وهذا المعنى اللغوي للوحي يشمل:
١ - الإلهام الغريزي: كالوحي إلى النحل؛ قال الله تعالى: وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ [النحل: ٦٨].
٢ - الإلهام الفطري؛ كالوحي إلى أمّ موسى: وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ [القصص: ٧].
٣ - وسوسة الشيطان وتزيينه الشر في نفس الإنسان: وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ [الأنعام: ١٢١].
1 / 16
٤ - الإشارة السريعة على سبيل الرمز، كإيحاء زكريا ﵇ لقومه:
فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا [مريم: ١١].
٥ - وما يلقيه الله إلى ملائكته من أمر ليفعلوه: إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا [الأنفال: ١٢٦].
ووحي الله إلى أنبيائه قد روعي فيه المعنيان الأصليان لكلمة الوحي وهما:
الخفاء والسرعة، وهذا معنى المصدر. ويطلق الوحي على متعلّقه وهو ما وقع به الوحي، أي اسم المفعول: وهو ما أنزله الله تعالى على أنبيائه وما عرّفهم به من أنباء الغيب والشرائع والحكم، ومنهم من أعطاه كتابا، أي تشريعا، ومنهم من لم يعطه.
شرعا: أما التعريف الشرعي للوحي إلى الأنبياء فقد عرفوه بأنه: إعلام الله تعالى لنبيّ من أنبيائه بحكم شرعي ونحوه. أو: هو كلام الله تعالى المنزل على نبي من أنبيائه. وهو تعريف له بمعنى اسم المفعول، أي: للموحى به.
وعرّفه الشيخ محمد عبده في رسالة التوحيد، فقال: «عرفان يجده الشخص من نفسه مع اليقين بأنه من قبل الله بواسطة أو بغير واسطة، والأول بصوت يتمثّل لسمعه أو بغير صوت. ويفرّق بينه وبين الإلهام، بأن الإلهام وجدان تستيقنه النفس فتنساق إلى ما يطلب من غير شعور منها من أين أتى، وهو أشبه بوجدان الجوع والعطش والسرور».
وهو تعريف للوحي بمعنى المصدر، وبدايته تشمل ما يسمّونه بحديث النفس أو الكشف، ولكن التفريق بين الوحي وبين الإلهام في عجز التعريف ينفي هذا ويفسر معنى الوحي الشرعي: على ما يتلقاه النبيّ من خارج نفسه نازلا عليها من السماء، قال تعالى: وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ [النمل: ٦].
٢ - أنواع الوحي:
للوحي أنواع ثلاثة، ذكرها الله تعالى في الآية الكريمة: وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ
1 / 17
يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ [الشورى: ٥١].
فالوحي أولا: إلقاء المعنى في القلب، وقد يعبّر عنه بالنّفث في الرّوع
قال ﷺ: «إن روح القدس نفث في روعي: إن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها، ألا فاتقوا الله وأجملوا في الطلب» «١»
وهو- بالضم- القلب والخلد والخاطر.
وثانيا: الكلام من وراء حجاب، وهو أن يسمع كلام الله من حيث لا يراه، كما سمع موسى ﵇ نداء ربه من وراء الشجرة قال تعالى:
فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ [القصص: ٣٠].
وثالثا: هو ما يلقيه ملك الوحي المرسل من الله تعالى إلى رسول الله، فيراه متمثلا بصورة رجل أو غير متمثل، ويسمعه منه أو يعيه بقلبه. وهذا النوع الثالث أشهر الأنواع
وأكثرها وقوعا، ووحي القرآن كلّه من هذا القبيل، وهو المسمّى:
(الوحي الجلي) قال تعالى: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤) بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشعراء: ١٩٣ - ١٩٥].
٣ - حالات الوحي:
كان جبريل ﵇ يأتي النبيّ ﷺ على حالات متنوعة:
١ - فتارة يظهر للرسول في صورته الحقيقية الملكية، عن عبد الله بن مسعود ﵁ قال: لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى [النجم: ١٨] قال: رأى جبريل في
_________
(١) رواه أبو نعيم في الحلية (١٠/ ٢٧) بسند صحيح عن أبي أمامة ﵁، والبغوي في شرح السنة (٤/ ٣٠٤) وفي إسناده رجل مجهول.
1 / 18
صورته، له ستمائة جناح «١».
٢ - وتارة يظهر في صورة إنسان يراه الصحابة ويستمعون إليه، كما في حديث عمر ﵁ الذي رواه البخاري: «بينما نحن جلوس عند رسول الله ﷺ إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر ...»
وقال النبي ﷺ في آخر الحديث: «إنّه جبريل جاء يعلّمكم دينكم» «٢»
. وكان كثيرا ما يأتي في صورة (دحية الكلبيّ) الصحابي الجليل، وكان دحية من أجمل الصحابة.
٣ - وتارة يهبط الوحي على رسول الله ﷺ خفية فلا يرى، ولكن يظهر أثر التّغيّر والانفعال على النبيّ ﷺ فيغطّ غطيط «٣» النائم، ويثقل ثقلا شديدا حتى قد يتصبّب جبينه عرقا في اليوم الشديد البرد.
وقد يكون وقع الوحي على رسول الله كوقع الجرس إذا صلصل في أذن سامعه، وذلك أشدّ أنواعه، وربما سمع الحاضرون صوتا عند وجه رسول الله ﷺ كأنه دويّ النحل،
عن عمر بن الخطاب ﵁، قال: كان إذا نزل الوحي على رسول الله ﷺ يسمع عند وجهه دويّ كدويّ النحل «٤»
. لكنهم لا يفهمون كلاما، أما هو فإنه يسمع ويعي ما يوحى إليه، ويعلم علما ضروريا أن هذا هو وحي الله دون لبس ولا خفاء، فإذا انجلى عنه الوحي وجد ما أوحي إليه حاضرا في ذاكرته، منقوشا في حافظته كأنما كتب في قلبه الشريف كتابة.
روى البخاري في صحيحه: عن عائشة أم المؤمنين ﵂: أنّ الحارث بن هشام سأل رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله! كيف يأتيك الوحي؟
_________
(١) رواه البخاري في التفسير (٤٥٧٥) ومسلم في الإيمان (١٧٤).
(٢) رواه مسلم في أول كتاب الإيمان (٨) وانظر شرحه في كتابنا «الوافي في شرح الأربعين النووية».
(٣) هو تردد نفس النائم حتى يسمعه من حوله.
(٤) رواه أحمد (١/ ٢٤).
1 / 19
فقال رسول الله ﷺ: «أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس- وهو أشدّه علي- فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال، وأحيانا يتمثّل لي الملك رجلا فيكلّمني فأعي ما يقول» «١» قالت عائشة: ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإنّ جبينه ليتفصّد عرقا.
٤ - شبه الجاحدين والمنكرين للوحي:
وقد حرص هؤلاء الجاحدون قديما وحديثا أن يفسّروا حادثة الوحي بنظريات غامضة ومنحرفة، وتهدف في النهاية إلى إنكار رسالة محمد ﵊، فنجدهم يفسّرون ظاهرة الوحي بالإلهام النفسي تارة، وبالإشراق الروحي تارة أخرى، ويعميهم الحقد فيتجرّءون على القول بأنه ضرب من الصّرع والجنون كان ينتابه، وواضح أنّها شبه واهية لا تثبت أمام الوقائع النّيّرة والمنطق السليم والحكم العادل النزيه، والذي يهمنا أن نرد عليه هنا ونكشف زيفه هو ما يسمّيه الملحدون في هذا العصر ب (الوحي النفسي):
١ - إن حالة الإلهام النفسي، أو الإشراق الروحي، لا تستدعي الخوف والرعب وتغيّر اللون، لأن الصفاء النفسي والتدرّج في التفكير والتأمل لا ينسجم مع حالة الخوف والاضطراب، بل هما حالتان متناقضتان تماما، وخوف النبيّ ﷺ ثابت
في حديث بدء الوحي وفيه: «فرجع بها رسول الله ﷺ يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد ﵂، فقال: زمّلوني زمّلوني، فزمّلوه حتى ذهب عنه الرّوع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسي «٢»» «١».
وقد ذكرنا في حالات الوحي ما كان يعتري رسول الله ﷺ من تغير واضطراب وتصبّب العرق من جبينه وهو على مرأى من أهله وأصحابه.
_________
(١) رواه البخاري في بدء الوحي (٢).
(٢) رواه البخاري في بدء الوحي (٣).
1 / 20
٢ - واقتضت حكمة الله تعالى أن يحتجب الملك عن رسول الله «١» مدة بعد رؤيته له في غار حراء، فاستبدّ به القلق، وخاف أن يكون الله تعالى قد قلاه لسوء صدر منه، وراحت نفسه تحدّثه كلما وصل إلى ذروة جبل أن يلقي بنفسه منها ...
إلى أن رأى جبريل وقد ملأ شكله ما بين السماء والأرض يناديه، ويقول: يا محمد أنت رسول الله حقّا وأنا جبريل «٢».
وهذا الانقطاع الذي حصل في حياة النبيّ ﷺ يجعل القول بأن الوحي إلهام نفسيّ كلاما باطلا وضربا من الجنون.
٣ - إن جانبا عظيما من القرآن الكريم احتوى على أنباء من سبق من الأمم والجماعات، وقصص الأنبياء، وذكر الأحداث التاريخية بوقائعها الصحيحة الدقيقة.
وهذه الأخبار لا يمكن أن يقول عاقل بأنها إلهام نفسي أو إشراق روحي، لأنها لا تعتمد إلا على التلقي والتعليم؛ قال تعالى: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ [يوسف: ٣] وقال سبحانه: وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ [آل عمران: ٤٤].
٤ - واحتوى القرآن كذلك على حقائق علمية، ونظريات طبيعية وفلكية تثبت الأيام بعد تقدّم العلم صحتها وأسبقيتها، قال تعالى: سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ [فصلت: ٥٣]. وتضمّن القرآن في بيان العقائد أمورا تفصيلية عن بدء الخلق ونهايته وعن الحياة الآخرة وما فيها من الموقف
_________
(١) انظر فترة الوحي في كتاب التعبير من صحيح البخاري (باب أول ما بدئ به رسول الله ﷺ من الوحي) رقم (٦٥٨١) وفتح الباري (١٢/ ٣٥٩ - ٣٦١).
(٢) رواه ابن سعد عن ابن عباس ﵄، كما في فتح الباري (١٢/ ٣٦٠).
1 / 21
والحساب والجنة والنار، ويضاف إلى ذلك كله ما تضمّنه القرآن من أحكام قاطعة عن أخبار المستقبل، وما يجري من أحداث تقع وفق سنن الله الاجتماعية في القوة والضعف والعزة والذلة. والذي ينطق بهذا رجل أميّ لم يعرف الكتابة ولم يقرأ في كتاب، ومع ذلك يتحدّى بما جاء به جميع الناس في كل أرض وفي كل زمان. إن التفسير المنصف لما جاء به هو الإيمان بهذا الاتصال الذي حدث بين الأرض والسماء عن طريق الوحي لتبليغ هداية الله؛ قال تعالى: وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى [النجم: ٣ - ٤].
يقول الدكتور محمد عبد الله دراز في كتابه (النبأ العظيم):
هذا الرأي هو الذي يروّجه الملحدون اليوم باسم (الوحي النفسي) زاعمين أنهم بهذه التسمية قد جاءونا برأي علمي جديد، وما هو بجديد، وإنما هو الرأي الجاهلي القديم، لا يختلف عنه في جملته ولا في تفصيله، فقد صوّروا النبيّ ﵊ رجلا ذا خيال واسع وإحساس عميق فهو إذا شاعر، ثم زادوا فجعلوا وجدانه يطغى كثيرا على حواسه حتى يخيّل إليه أنه يرى ويسمع شخصا يكلّمه، وما ذاك الذي يراه ويسمعه إلا صورة أخيلته ووجداناته فهو إذا الجنون أو أضغاث الأحلام، على أنهم لم يطيقوا الثبات طويلا على هذه التعليلات، فقد اضطروا أن يهجروا كلمة (الوحي النفسي) حينما بدا لهم في القرآن جانب الأخبار الماضية والمستقبلة، فقالوا: لعله تلقّفها من أفواه العلماء في أسفاره للتجارة، فهو إذا قد علّمه بشر. فأيّ جديد ترى في هذا كله؟ أليس كله حديثا معادا يضاهون به قول جهّال قريش؟ وهكذا كان الإلحاد في ثوبه الجديد صورة متّسخة، بل ممسوخة منه في أقدم أثوابه، وكان غذاء هذه القلوب المتحضّرة في العصر الحديث مستمدّا من فتات الموائد التي تركتها تلك القلوب المتحجّرة في عصور الجاهلية الأولى، قال تعالى: كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ [البقرة:
١١٨].
1 / 22
وبعد هذه العجالة في بيان معنى الوحي، وردّ شبه الجاحدين له، نعود إلى شرح عناصر التعريف للقرآن الكريم.
ج- المتعبّد بتلاوته:
وهذا يعني أن قراءة آيات القرآن الكريم عبادة، يتقرّب بها المؤمن من خالقه، ويكتب له بها الأجر الجزيل والثواب العظيم، كما سيأتي عند الكلام عن فضل قراءة القرآن.
ومما يدلّ على أهمية التلاوة في مجال العبادة: أنّ الصّلاة لا تصحّ إلا بقراءة آيات من القرآن، ولا يغني عنه شيء من الأذكار والدعاء، قال الله تعالى: عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ [المزمل: ٢٠].
وقال ﷺ: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» «١».
د- المنقول بالتواتر:
ومعنى التواتر هو نقل الجمع عن الجمع بحيث يستحيل تواطؤهم على الكذب، ومن المسلّم به تاريخيا: أن أصحاب رسول الله ﷺ تلقّوا القرآن مشافهة من فم رسول الله وحفظه أكثرهم، ونقلوه إلى جيل التابعين، وهكذا بقي القرآن ينتقل من جيل إلى جيل آخر حتى وصلنا، وهذا يجعلنا نجزم بأن القرآن نقل إلينا بالتواتر، نقلته جموع المسلمين عن جموعهم إلى النبيّ ﷺ، بحيث قطع بصدق وضبط كل طبقة منهم واستحالة اتّفاقهم على الكذب، وفي أبحاثنا القادمة سندرس بالتفصيل كيف نقلت الأجيال المسلمة هذا القرآن بالحفظ في الصدور والكتابة في السطور، مما يثلج صدر المسلم ويزيده يقينا بقوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ
لَحافِظُونَ
[الحجر: ٩].
_________
(١) رواه البخاري في صفة الصلاة (٧٢٣) ومسلم في الصلاة (٣٩٤) وأبو داود في الصلاة (٨٢٢) والترمذي في الصلاة (٢٤٧) والنسائي في الافتتاح (٢/ ١٣٧ - ١٣٨).
1 / 23
وهذه العناصر الأربعة من عناصر تعريف القرآن، تحدّد حقيقة القرآن، وتميّزه عن غيره من الحديث النبوي، أو الحديث القدسي، أو القراءات الشاذة، أو الترجمة الحرفية، أو غير الحرفية للقرآن، لأن الحديث ليس بمعجز، والقراءات الشاذة غير متواترة، والترجمة ليست هي اللفظ المنزل.
1 / 24