التلويح في كشف حقائق التنقيح

Saad al-Din al-Taftazani d. 792 AH
18

التلويح في كشف حقائق التنقيح

التلويح في كشف حقائق التنقيح

Maison d'édition

مطبعة محمد علي صبيح وأولاده بالأزهر

Numéro d'édition

١٣٧٧ هـ

Année de publication

١٩٥٧ م

Lieu d'édition

مصر

(وَقِيلَ الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْعَمَلِيَّةِ مِنْ أَدِلَّتِهَا التَّفْصِيلِيَّةِ) فَالْعِلْمُ جِنْسٌ، وَالْبَاقِي فَصْلٌ فَقَوْلُهُ بِالْأَحْكَامِ يُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِالْحُكْمِ هَاهُنَا إسْنَادُ أَمْرٍ إلَى آخَرَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ الْحُكْمُ الْمُصْطَلَحُ، وَهُوَ خِطَابُ اللَّهِ تَعَالَى الْمُتَعَلَّقُ إلَخْ، فَإِنْ أُرِيدَ الْأَوَّلُ يَخْرُجُ الْعِلْمُ بِالذَّوَاتِ وَالصِّفَاتِ الَّتِي لَيْسَتْ بِأَحْكَامٍ عَنْ الْحَدِّ أَيْ يُخْرِجُ التَّصَوُّرَاتِ وَيُبْقِي التَّصْدِيقَاتِ وَبِالشَّرْعِيَّةِ يُخْرِجُ الْعِلْمَ بِالْأَحْكَامِ الْعَقْلِيَّةِ وَالْحِسِّيَّةِ كَالْعِلْمِ بِأَنَّ الْعَالَمَ مُحْدَثٌ وَالنَّارَ مُحْرِقَةٌ وَإِنْ أُرِيدَ الثَّانِي فَقَوْلُهُ بِالْأَحْكَامِ يَكُونُ احْتِرَازًا عَنْ عِلْمِ مَا سِوَى خِطَابِ اللَّهِ تَعَالَى الْمُتَعَلِّقِ إلَى آخِرِهِ فَالْحُكْمُ بِهَذَا التَّفْسِيرِ قِسْمَانِ شَرْعِيٌّ ــ [التلويح] مَا سِوَى الْوَاجِبِ مِمَّا يَجُوزُ لَهَا؛ لِأَنَّ مَا سِوَى الْحَرَامِ وَالْمَكْرُوهِ تَحْرِيمًا يَشْمَلُ الْوَاجِبَ مَعَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِهَذَا الْمَعْنَى وَكَذَا تَرْكُ مَا سِوَى الْوَاجِبِ يَشْمَلُ تَرْكَ الْحَرَامِ وَالْمَكْرُوهِ تَحْرِيمًا مَعَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قُلْتُ: هَذَا مَخْصُوصٌ بِقَرِينَةِ التَّصْرِيحِ بِدُخُولِهِ فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهَا. وَالثَّالِثُ أَنَّ مَا يُحَرَّمُ عَلَيْهَا فِي الْوَجْهِ الْخَامِسِ بِمَعْنَى الْمَنْعِ عَنْ الْفِعْلِ يَشْمَلُ الْحَرَامَ وَالْمَكْرُوهَ تَحْرِيمًا وَالرَّابِعُ أَنْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِمَعْرِفَةِ مَا لَهَا وَمَا عَلَيْهَا تَصَوُّرُهُمَا وَلَا التَّصْدِيقُ بِثُبُوتِهِمَا لِظُهُورِ أَنْ لَيْسَ الْفِقْهُ عِبَارَةً عَنْ تَصَوُّرِ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا وَلَا عَنْ التَّصْدِيقِ بِوُجُودِهَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، بَلْ الْمُرَادُ مَعْرِفَةُ أَحْكَامِهَا مِنْ الْوُجُوبِ وَغَيْرِهِ كَالتَّصْدِيقِ بِأَنَّ هَذَا وَاجِبٌ وَذَاكَ حَرَامٌ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ كَوُجُوبِ الْإِيمَانِ فَأَحْكَامُ الْوِجْدَانِيَّاتِ مِنْ الْوُجُوبِ وَنَحْوِهِ تُدْرَكُ بِالدَّلِيلِ وَثُبُوتُهَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِالْوِجْدَانِ كَمَا فِي الْعَمَلِيَّاتِ بِعُرْفِ وُجُوبِ الصَّلَاةِ بِالدَّلِيلِ وَوُجُودُهَا بِالْحِسِّ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ اعْتِرَاضَهُ عَلَى التَّعْرِيفِ الثَّانِي بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالْأَحْكَامِ كُلِّهَا وَلَا بَعْضِهَا الْمُعَيَّنِ وَلَا الْمُبْهَمِ وَارِدٌ هَاهُنَا فِيمَا لَهَا وَمَا عَلَيْهَا مَعَ أَنَّ إطْلَاقَ اللَّفْظِ الْمُحْتَمَلِ لِلْمَعَانِي الْمُتَعَدِّدَةِ مَعَ عَدَمِ تَعَيُّنِ الْمُرَادِ غَيْرُ مُسْتَحْسَنٍ فِي التَّعْرِيفَاتِ. ١ - قَوْلُهُ (وَقِيلَ الْعِلْمُ) عَرَّفَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْفِقْهَ بِأَنَّهُ الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْعَمَلِيَّةِ مِنْ أَدِلَّتِهَا التَّفْصِيلِيَّةِ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ مُتَعَلَّقَ الْعِلْمِ إمَّا حُكْمٌ أَوْ غَيْرُهُ وَالْحُكْمُ إمَّا مَأْخُوذٌ مِنْ الشَّرْعِ أَوْ لَا وَالْمَأْخُوذُ مِنْ الشَّرْعِ إمَّا أَنْ يَتَعَلَّقَ بِكَيْفِيَّةِ الْعَمَلِ أَوْ لَا وَالْعَمَلُ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْعِلْمُ بِهِ حَاصِلًا مِنْ دَلِيلِهِ التَّفْصِيلِيِّ الَّذِي نِيطَ بِهِ الْحُكْمُ أَوْ لَا فَالْعِلْمُ الْمُتَعَلِّقُ بِجَمِيعِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْعَمَلِيَّةِ الْحَاصِلُ مِنْ أَدِلَّتِهَا التَّفْصِيلِيَّةِ هُوَ الْفِقْهُ وَخَرَجَ الْعِلْمُ بِغَيْرِ الْأَحْكَامِ مِنْ الذَّوَاتِ وَالصِّفَاتِ وَالْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ الْغَيْرِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ الشَّرْعِ كَالْأَحْكَامِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ الْعَقْلِ كَالْعِلْمِ بِأَنَّ الْعَالَمَ حَادِثٌ أَوْ مِنْ الْحِسِّ كَالْعِلْمِ بِأَنَّ النَّارَ مُحْرِقَةٌ أَوْ مِنْ الْوَضْعِ وَالِاصْطِلَاحِ كَالْعِلْمِ بِأَنَّ الْفَاعِلَ مَرْفُوعٌ وَخَرَجَ الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ النَّظَرِيَّةِ وَتُسَمَّى اعْتِقَادِيَّةً وَأَصْلِيَّةً كَكَوْنِ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً وَالْإِيمَانِ وَاجِبًا وَخَرَجَ أَيْضًا عِلْمُ اللَّهِ تَعَالَى وَعِلْمُ جِبْرِيلَ وَالرَّسُولِ - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَكَذَا عِلْمُ الْمُقَلِّدِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ مِنْ الْأَدِلَّةِ التَّفْصِيلِيَّةِ. قَوْلُهُ (يُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِالْحُكْمِ) الْحُكْمُ يُطْلَقُ فِي الْعُرْفِ

1 / 19