80

Le Siraj Munir

السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير

Maison d'édition

مطبعة بولاق (الأميرية)

Numéro d'édition

الأولى

Lieu d'édition

القاهرة

Genres

أدرجوه في الديباج والحرير وحلوه بالذهب ولم يحلوا حلاله ولم يحرّموا حرامه. وقوله تعالى: ﴿واتبعوا﴾ عطف على نبذ ﴿ما تتلو﴾ أي: ما تلت ﴿الشياطين﴾ والعرب تضع المستقبل موضع الماضي والماضي موضع المستقبل، وقيل: ما كانت تتلو أي تقرأ ﴿على﴾ عهد ﴿ملك سليمان﴾ من السحر وكانت دفنته تحت كرسيه لما نزع ملكه فلم يشعر بذلك سليمان فلما مات استخرجوه وقالوا للناس: إنما ملَككم سليمان بهذا فتعلموه، فأمّا علماء بني إسرائيل وصلحاؤهم فقالوا: معاذ الله أن يكون هذا من علم سليمان ﵊، وأمّا سفلاؤهم فقالوا: هذا علم سليمان وأقبلوا على تعلمه ورفضوا كتب أنبيائهم وبقيت الملامة لسليمان فلم تزل هذه حالهم حتى بعث الله محمدًا ﷺ وأنزل الله عليه براءة سليمان هذا قول الكلبيّ. وقال السديّ: كانت الشياطين تسترق السمع فيسمعون كلام الملائكة فيما يكون في الأرض من موت وغيره فيأتون الكهنة ويخلطون بما يسمعون في كلّ كلمة سبعين كذبة ويخبرونهم بها فاكتتب الناس ذلك وفشا في بني إسرائيل أنّ الجنّ تعلم الغيب، فبعث سليمان في الناس وجمع تلك الكتب فجعلها في صندوق ودفنها تحت كرسيه وقال: لا أسمع أنّ أحدًا يقول: إنّ الشياطين تعلم الغيب إلا ضربت عنقه فلما مات سليمان وذهب العلماء الذين كانوا يعرفون أمر سليمان ودفنه الكتب وخلف من بعدهم خلف تمثل شيطان على صورة إنسان فأتى نفرًا من بني إسرائيل فقال: هل أدلكم على كنز لا تأكلونه أبدًا؟ قالوا: نعم قال: فاحفروا تحت الكرسي وذهب معهم فأراهم المكان وأقام ناحية فقالوا: أُدن فقال: لا ولكني ههنا فإن لم تجدوه فاقتلوني وذلك أنه لم يكن أحد من الشياطين يدنو من الكرسي إلا احترق فحفروا وأخرجوا تلك الكتب قال الشيطان: إنّ سليمان كان يضبط الجنّ والانس والشياطين والطير بهذا ثم طار الشيطان وفشا في الناس أن سليمان كان ساحرًا وأخذ بنو إسرائيل تلك الكتب فلذلك أكثر ما يوجد السحر في اليهود، فلما جاء محمد ﷺ برأ الله سليمان من ذلك وأنزل تكذيبًا لمن زعم ذلك واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان ﴿وما كفر سليمان﴾ إذ لم يعمل السحر وعبر عنه بالكفر ليدلّ على أنه كفر إذا استحله أو احتيج فيه إلى تقدّم اعتقاد مكفر هذا مذهب الشافعيّ وعند أحمد يكفر مطلقًا ﴿ولكنّ الشياطين﴾ هم الذين ﴿كفروا﴾ باستعمال السحر وتدوينه، وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي بكسر النون من ولكن مخففة ورفع نون الشياطين والباقون بنصب النون من ولكن مشدّدة ونصب نون الشياطين ﴿يعلمون الناس السحر﴾ يقصدون به إغواءهم وإضلالهم والجملة حال من ضمير كفروا. تنبيه: السحر لغة صرف الشيء عن وجهه يقال: ما سحرك عن كذا أي: ما صرفك عنه واصطلاحًا مزاولة النفوس الخبيئة لأقوال وأفعال يترتب عليها أمور خارقة للعادة. واختلف فيه هل هو تخييل أو حقيقة؟ قال بالأوّل المعتزلة واستدلوا بقوله تعالى: ﴿يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى﴾ (طه، ٦٦) وقال بالثاني أهل السنة ويدلّ لذلك الكتاب والسنة الصحيحة، والساحر قد يأتي بفعل أو قول يتغير به حال المسحور فيمرض أو يموت منه ويفرّق به بين المرء وزوجه ويحرم تعليمه أو تعلمه، قال إمام الحرمين: ولا يظهر السحر إلا على يد فاسق ولا تظهر

1 / 81