La Biographie du Prophète par Ibn Hicham
السيرة النبوية لابن هشام
Enquêteur
طه عبد الرؤوف سعد
Maison d'édition
شركة الطباعة الفنية المتحدة
Genres
Biographie du Prophète
هُذَيْم، قَالَ. نَعَمْ قَالَ: وَكَانَتْ بِأَشْرَافِ الشَّامِ، فَرَكِبَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ بَنِي أَبِيهِ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، وَرَكِبَ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ نَفَرٌ. قَالَ: وَالْأَرْضُ إذْ ذَاكَ مَفَاوِزُ. قَالَ: فَخَرَجُوا حَتَّى إذَا كَانُوا بِبَعْضِ تِلْكَ الْمَفَاوِزِ بَيْنَ الْحِجَازِ وَالشَّامِ، فَنِيَ مَاءُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَأَصْحَابِهِ، فظمِئُوا حَتَّى أَيْقَنُوا بِالْهَلَكَةِ، فاستسقَوْا مَنْ مَعَهُمْ مِنْ قَبَائِلِ قُرَيْشٍ، فأبَوْا عَلَيْهِمْ، وَقَالُوا: إنَّا بِمَفَازَةٍ، وَنَحْنُ نَخْشَى عَلَى أَنْفُسِنَا مِثْلَ مَا أَصَابَكُمْ، فَلَمَّا رَأَى عَبْدُ الْمُطَّلِبِ مَا صَنَعَ الْقَوْمُ، وَمَا يتخوَّف على نفسه وأصحابه، قال: ما تَرَوْن؟ قَالُوا: مَا رَأْيُنَا إلَّا تَبَعٌ لِرَأْيِكَ فَمُرْنَا بِمَا شِئْتَ، قَالَ: فَإِنِّي أَرَى أَنْ يَحْفِرَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ حُفْرَتَهُ لِنَفْسِهِ بِمَا بِكُمْ الْآنَ مِنْ الْقُوَّةِ، فَكُلَّمَا مَاتَ رَجُلٌ دَفَعَهُ أَصْحَابُهُ فِي حُفْرَتِهِ ثُمَّ وَارَوْهُ، حَتَّى يَكُونَ آخِرُكُمْ رَجُلًا وَاحِدًا، فضَيْعَةُ رَجُلٍ وَاحِدٍ أَيْسَرُ مِنْ ضَيْعة رَكْب جَمِيعًا قَالُوا: نِعْم مَا أَمَرْتَ بِهِ فَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَحَفَرَ حُفْرَتَهُ، ثُمَّ قَعَدُوا يَنْتَظِرُونَ الْمَوْتَ عَطَشًا، ثُمَّ إنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: وَاَللَّهِ إنَّ إلقاءَنا بِأَيْدِينَا هَكَذَا لِلْمَوْتِ، لَا نَضْرِبُ فِي الْأَرْضِ، وَلَا نَبْتَغِي لِأَنْفُسِنَا، لَعَجْزٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَرْزُقَنَا مَاءً بِبَعْضِ الْبِلَادِ، ارتحِلوا، فارتحَلوا حَتَّى إذَا فَرَغُوا، وَمَنْ مَعَهُمْ مِنْ قَبَائِلِ قُرَيْشٍ يَنْظُرُونَ إلَيْهِمْ مَا هُمْ فَاعِلُونَ، تَقَدَّمَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ إلَى رَاحِلَتِهِ فَرَكِبَهَا فَلَمَّا انْبَعَثَتْ بِهِ انْفَجَرَتْ مِنْ تَحْتِ خُفِّهَا عَيْنُ مَاءٍ عَذْبٍ، فكبَّر عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وكبَّر أَصْحَابُهُ، ثُمَّ نَزَلَ فشرِب، وَشَرِبَ أَصْحَابُهُ، واستَقَوْا حَتَّى مَلِئُوا أسقيَتهم، ثُمَّ دَعَا الْقَبَائِلَ مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَالَ: هلُمّ إلَى الْمَاءِ، فَقَدْ سَقَانَا اللَّهُ، فاشربوا وَاسْتَقَوْا. ثُمَّ قَالُوا: قَدْ – وَاَللَّهِ– قُضِيَ لَكَ عَلَيْنَا يَا عَبْدَ الْمُطَّلِبِ وَاَللَّهِ لَا نُخَاصِمُكَ فِي زَمْزَمَ أَبَدًا، إنَّ الَّذِي سَقَاكَ هَذَا الْمَاءَ بِهَذِهِ الفَلاة لَهُوَ الَّذِي سَقَاكَ زَمْزَمَ، فَارْجِعْ إلَى سِقَايَتِكَ رَاشِدًا. فَرَجَعَ وَرَجَعُوا مَعَهُ، وَلَمْ يَصِلُوا إلَى الْكَاهِنَةِ وخلَّوْا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَهَذَا الَّذِي بَلَغَنِي مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ﵁ فِي زَمْزَمَ، وَقَدْ سَمِعْتُ مَنْ يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ حِينَ أُمِرَ بِحَفْرِ زَمْزَمَ:
ثُمَّ ادعُ بِالْمَاءِ الرَّوِيِّ غيرِ الكَدِرْ ... يَسْقِي حجيجَ اللَّهِ فِي كُلِّ مَبَرْ١
لَيْسَ يُخافُ مِنْهُ شَيْءٌ مَا عَمَر
فَخَرَجَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ حِينَ قِيلَ لَهُ ذَلِكَ إلَى قُرَيْشٍ فَقَالَ: تعلَّموا أَنِّي قَدْ أُمِرْتُ أن أحفر لكم
١ وقوله: ماء روى بالكسر والقصر، ورواء بالفتح والمد. وفيه: مبر: هو مفعل من البر يريد: في مناسك الحج ومواضع الطاعة.
1 / 134