La Lettre Arshiya

Ibn Taymiyya d. 728 AH
4

La Lettre Arshiya

الرسالة العرشية

Maison d'édition

المطبعة السلفية

Numéro d'édition

الأولى

Année de publication

1399 AH

Lieu d'édition

القاهرة

ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحَقِّ سُبْحَانَهُ كَالدِّمَاغِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِنْسَانِ، يُقَدِّرُ فِيهِ مَا يَفْعَلُهُ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ، إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَقَالَاتِ الَّتِي قَدْ شَرَحْنَاهَا، وَبَيَّنَّا فَسَادَهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَدَّعِي أَنَّهُ عَلِمَ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْكَشْفِ وَالْمُشَاهَدَةِ، وَيَكُونُ كَاذِبًا فِيمَا يَدَّعِيهِ وَإِنَّمَا أَخَذَ ذَلِكَ عَنْ هَؤُلَاءِ الْمُتَفَلْسِفَةِ تَقْلِيدًا لَهُمْ، أَوْ مُوَافَقَةً لَهُمْ عَلَى طَرِيقَتِهِمْ الْفَاسِدَةِ، كَمَا فَعَلَ أَصْحَابُ رَسَائِلِ إخْوَانِ الصَّفَا وَأَمْثَالُهُمْ. وَقَدْ يَتَمَثَّلُ فِي نَفْسِهِ مَا تَقَلَّدَهُ عَنْ غَيْرِهِ فَيَظُنُّهُ كَشْفًا، كَمَا يَتَخَيَّلُ النَّصْرَانِيُّ التَّثْلِيثَ الَّذِي يَعْتَقِدُهُ، وَقَدْ يَرَى ذَلِكَ فِي مَنَامِهِ فَيَظُنُّهُ كَشْفًا، وَإِنَّمَا هُوَ تَخَيُّلٌ لِمَا اعْتَقَدَهُ، وَكَثِيرٌ مِنْ أَرْبَابِ الِاعْتِقَادَاتِ الْفَاسِدَةِ إذَا ارْتَاضُوا صقلت الرياضة نفسوهم، فَتَتَمَثَّلُ لَهُمْ اعْتِقَادَاتُهُمْ، فَيَظُنُّونَهَا كَشْفًا، وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَى هَذَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. الْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّ الْعَرْشَ هُوَ الْفَلَكُ التَّاسِعُ قَدْ يُقَالُ: إنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ عَلَيْهِ دَلِيلٌ لَا عَقْلِيٌّ، وَلَا شَرْعِيٌّ. أَمَّا الْعَقْلِيُّ: فَإِنَّ أَئِمَّةَ الْفَلَاسِفَةِ مُصَرِّحُونَ بِأَنَّهُ لَمْ يَقُمْ عِنْدَهُمْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ وَرَاءَ الْفَلَكِ التَّاسِعِ شَيْءٌ آخَرُ، بَلْ وَلَا قَامَ عِنْدَهُمْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأَفْلَاكَ هِيَ تِسْعَةٌ فَقَطْ، بَلْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَلَكِنْ دَلَّتْهُمْ الْحَرَكَاتُ الْمُخْتَلِفَةُ، والكسوفات وَنَحْوُ ذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرُوهُ، وَمَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ دَلِيلٌ عَلَى ثُبُوتِهِ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ لَا ثُبُوتَهُ وَلَا انْتِفَاءَهُ. مِثَالُ ذَلِكَ: أَنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّ هَذَا الْكَوْكَبَ تَحْتَ هَذَا، بِأَنَّ السُّفْلِيَّ يَكْسِفُ الْعُلْوِيَّ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ، فَاسْتَدَلُّوا بِذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ فِي فَلَكٍ فَوْقَهُ، كَمَا اسْتَدَلُّوا بِالْحَرَكَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ، عَلَى أَنَّ الْأَفْلَاكَ مُخْتَلِفَةٌ، حَتَّى جَعَلُوا فِي الْفَلَكِ الْوَاحِدِ عِدَّةَ

1 / 5