أهمية الترابط والتناصر بين أفراد الدعوة
قال الله: ﴿وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ [يونس:٨٦]، نجاة ليست بالأسباب، ولا بالتدبير، ولا بحسن الاختيار لكن برحمة الله، وبفضله ﷾، وبالتوكل على الله ﷿ خصوصًا مع انعدام الأسباب ﴿وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ [يونس:٨٦].
ولقد كان هناك واجبات لهذه المرحلة: مرحلة الفترة ما بين الخروج، وما بين تسلط فرعون الفظيع والفتنة التي يقول فيها: «وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ»، وهي المذكورة في قوله تعالى: «وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّأَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا»، أي: اتخذا لقومكما بمصر بيوتًا؛ ليكون هناك رابطة قوية بين كل فرد من الأفراد، وبين القيادة للطائفة المؤمنة حتى يكون هناك التزام وتحرك في الوقت المطلوب، فلا بد من وجود هذه القيادة التي يحصل بها هذا «وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً» أي: يقابل بعضها بعضًا كما هو أحد القولين في تفسير هذه الآية، أو «وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً» والقول الثاني: صلوا في بيوتكم فهم سوف يمنعونكم من الصلاة في معابدكم أو في أبياعكم، ولكن صلوا في البيوت ولا تتركوا الصلاة «وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ»، فلا بد من الالتزام بعبادة الله ﷾ على أي الأحوال، فكلا التفسيرين معناه حسن وجميل، وكلها من واجبات هذه المرحلة الضرورية فالترابط يثبت الله به الأقدام، والناس إذا تفككوا سهلت هزيمتهم وأما إذا تماسكوا وتكاتفوا، وكان بعضهم لبعض كالبنيان يشد بعضه بعضًا فإن الباطل لن يستطيع هدمهم، ولذلك نقول: إن من أعظم الواجبات ألفة القلوب واجتماعها، والتعاون على طاعة الله، والتباعد عن أسباب الخلاف، كما قال الله: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا﴾ [آل عمران:١٠٣].
«وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ»، فلا بد أن نصلي كثيرًا لله ﷿ ولا بد أن نكثر من ذكره، وعبادته فنعمل الصالحات، ونذكر الله كثيرًا، ونرجوا الله واليوم الآخر، وسوف يأتي الفرج، فالصلاة طمأنينة وبها تستفتح المغاليق، ألم تسمع إلى قول الله ﷿ عن زكريا: ﴿فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ﴾ [آل عمران:٣٩]؟ ألم تسمع أن الملائكة لما أرادت إبلاغ أمر الله لمريم، وتهيئتها للأمر العظيم الذي سوف تحمله، قالت لها: ﴿يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ [آل عمران:٤٣]؟ ألم تسمع أن رسول الله ﷺ ليلة بدر كان طوال الليل تحت الشجرة قائمًا يصلي، ويدعو الله ﷿؟ ألم نعلم أنه كان في ليلة الأحزاب طوال الليل يصلي لله ﷿؟ حتى كلف أصحابه بتكليفات، وهو يصلي ﷺ على الدوام، ولقد كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، فافزعوا إلى الصلاة عباد الله فإن ذلك من أعظم ما يفتح الله به الأمور المغلقة.
«وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ»، وهذه مهمة من أعظم مهمات المرحلة، فلا بد من التبشير حتى لا تيئس النفوس «وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ» بماذا؟ بوعد الله ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا﴾ [النور:٥٥].
فالله ﷾، وعد ووعده حق لا يخلف؛ لأن الله ﷿ قال: ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾ [الصافات:١٧١ - ١٧٣]، هكذا يبشر المؤمنين ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ * إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ * وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء:١٠٥ - ١٠٧].
وقال الله ﷿: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ * كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [المجادلة:٢٠ - ٢١]، وقال الله ﷾: ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [هود:٤٩]، وقد قال النبي ﷺ: (ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار؛ حتى لا يبقى بيت مدر ولا بر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز، أو بذل ذليل، عزًا يعز الله به الإسلام، وذلًا يذل الله به الكفر)، وكلها واجبات لا بد أن نتناولها فيما بيننا فنبشر أهل الإيمان بقرب الفرج؛ فإن النصر مع الصبر، وإن الفرج مع الكرب، وإن مع العسر يسرًا.
3 / 16