فليس في قلبه شيء من الإيمان،
ولا تُصغ إلى كلام من ليس له خبرة ولا علم بأحكام القلوب وأعمالها، وتأمل في الطبيعة بأن يقوم بقلب العبد إيمان بالوعد والوعيد والجنة والنار وأن الله فرض عليه الصلاة وأن الله يعاقبه معاقبة على تركها، وهو محافظ على الترك في صحته وعافيته وعدم الموانع المانعة له من الفعل.
وهذا القدر هو الذي خفي على من جعل الإيمان مجرد التصديق، وإن لم يقارنه فعل واجب ولا ترك محرم، وهذا من أمحل المحال أن يقوم بقلب العبد إيمانٌ جازمٌ لا يتقاضاه فعلُ طاعةٍ ولا ترك معصيةٍ، ونحن نقول: الإيمان هو التصديق، ولكن ليس التصديق مجرد اعتقاد صدق المخبر دون الانقياد له، ولو كان مجرد اعتقاد التصديق إيمانا لكان إبليس وفرعون وقومه وقوم صالح واليهود الذين عرفوا أن محمدا رسول الله كما يعرفون أبناءهم مؤمنين مصدقين.
وقد قال تعالى: ﴿فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ﴾ [الأنعام: ٣٣]، أي: يعتقدون أنك صادق ﴿وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾ [الأنعام: ٣٣]، والجحود لا يكون إلا بعد معرفة الحق قال تعالى: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا﴾ [النمل: ١٤]، وقال موسى لفرعون: ﴿لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ﴾ [الإسراء: ١٠٢]، وقال تعالى في اليهود: ﴿يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ١٤٦]، وأبلغ من هذا قول النفرين اليهوديين لما جاءا إلى النبي ﷺ، وسألاه عما دلهما على نبوته فقالا نشهد أنك نبي فقال: "ما يمنعكما من اتباعي" قالا إن داود دعا أن لا يزال في ذريته نبي وإنا نخاف إن اتبعناك أن تقتلنا اليهود. (^١)، فهؤلاء قد أقروا بألسنتهم إقرارا مطابقًا لمعتقدهم أنه نبيٌ، ولم يدخلوا بهذا التصديق والإقرار في الإيمان، لأنهم لم يلتزموا الطاعةَ والانقياد لأمره.
ومن هذا كفرُ أبي طالب فإنه عرف حقيقةَ المعرفة أنه صادقٌ وأقرّ بذلك بلسانه وصرّح به في شعره، ولم يدخل بذلك في الإسلام، فالتصديقُ إنما يتم بأمرين:
أحدهما: اعتقاد الصدق.
والثاني: محبة القلب وانقياده.
ولهذا قال تعالى لإبراهيم: ﴿يَا إِبْرَاهِيمُ. قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا﴾ [الصافات: ١٠٤، ١٠٥]، وإبراهيم كان معتقدًا لصدق رؤياه من حين رآها، فإن رؤيا