Fiqh Theories
النظريات الفقهية
Maison d'édition
دار القلم والدار الشامية
Édition
الأولى
Année de publication
1414 AH
Lieu d'édition
بيروت
وجريان العمل به لا يصح أن يكون دليلاً على تحقيق المصالح وجلب المنافع والحصول على الخير المحض، بدليل أن كثيراً من الأعراف فاسدة، ولا تحقق مصلحة، بل تجلب الخراب والفساد والشر والانحراف، وتتأثر في ظهورها بالظروف العامة، والدعاية المضللة، ومع ذلك تسود بين الناس والشعوب والأقوام، وتتقبلها نفوسهم، وتسير عليها، وتجد الحرج والمشقة في تركها والخروج عنها، مثل وأد البنات أو كره البنات وعبادة الأصنام قديماً، ومثل السفور والفواحش وشرب الخمر والتعامل بالفوائد والربا مع المصارف حديثاً، ولذلك فلا يصح أن يكون العرف مقياساً للخير، ولا يصح أن يعتمد عليه المجتهد في بيان حكم الله تعالى، ولا يقبل أن يَحْتكم إليه القاضي والحاكم في تحديد الحقوق والواجبات في التعامل ما لم يؤيده دليل آخر.
فالعرف لا يعتبر أصلاً ومصدراً من مصادر التشريع إلا إذا اعتبره الشارع، أو جرى الشرع على اعتباره، وأن العرف دليل ظاهر يرجع إلى الأدلة الصحيحة كالإجماع أو الاستحسان أو المصلحة المرسلة(١).
رابعاً - الترجيح :
نلاحظ مما سبق أن جميع العلماء يحتجون بالعرف، ويرجعون إلى عادات الناس في بناء الأحكام عليها، وتفسير النصوص والوقائع في ضوئها، ووضع الفقهاء عدة قواعد تعتمد على العرف والعادة، وإنما اختلفوا في شروط العرف، وفي درجته التشريعية بين المصادر، وفي استقلاله أو تبعيته للمصادر الأخرى المأخوذ عنها.
كما رأينا أن القائلين بحجيته لم يقيموا له دليلاً صحيحاً، أو حجة كاملة، تثبت حجية العرف بشكل مستقل، وأن المصادر لا يصح اعتبارها إلا إذا أقرها الشرع، أو أحال إليها، أو أشار إلى الأخذ بها ... ، وهذا لم يثبت في العرف.
ولذلك نرجح أن يكون العرف مصدراً تابعاً، وأنه يرجع إلى أحد الأدلة المتفق عليها كالإجماع، عند الاتفاق عليه وإقراره من المجتهدين، أو إلى
(١) العرف والعادة، أبو سنّة ص ٣٠ وما بعدها، قواعد الأحكام ١٣٠/٢.
175