142

al-Muḥarrir fī ʿUlūm al-Qurʾān

المحرر في علوم القرآن

Maison d'édition

مركز الدراسات والمعلومات القرآنية بمعهد الإمام الشاطبي

Numéro d'édition

الثانية

Année de publication

١٤٢٩ هـ - ٢٠٠٨ م

Genres

وقد أخبر زيد ببعض وسائل الكتابة التي كانت في عصر الرسول ﷺ، ففي الحديث الذي ذكره البخاري (ت٢٥٦هـ) وغيره في جمع أبي بكر ﵁ إشارة إلى ذلك، فقال: «فتتبعت القرآن أجمعه من العُسُبِ والرِّقاع واللِّخَاف (١)» (٢).
وهذا يدلُّ على أنَّ القرآن لم يكن مجموعًا في مصحفٍ واحدٍ في عهد النبي ﷺ، بل كان متفرقًا، في مثل هذه الأدوات التي ذكرها زيدٌ ﵁.
وقد كان النبي ﷺ يعتني بكتابة القرآن أيما عناية، وكان يطلب أحد كتبة الوحي إذا نزل عليه القرآن، وهذا مما دلَّت عليه الآثار، مثل ما رواه البخاري بسنده عن البراء ﵁ قال: «لما نزلت: ﴿لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [النساء: ٩٥] دعا رسول الله ﷺ زيدًا فكتبها، فجاء ابن أم مكتوم فشكا ضرارته فأنزل الله: ﴿غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ﴾» (٣).
مسألة: لماذا لم يُكتب القرآن - في مصحف واحدٍ - كاملًا في عهد رسول الله ﷺ؟
لقد كان من قدر الله أن يتوفَّى نبيه ﷺ، وأن لا يجمع القرآن في مصحفٍ واحدٍ، وهذا ما يشهد له الواقع التاريخي لكتابة القرآن في عهد النبي ﷺ، والبحث عن العلل في ذلك ضرب من الاجتهاد الذي يحتمل الصواب والخطأ؛ لأن كل تعليل يمكن أن يُنتقَضَ، ومما ذُكر من الأسباب:
١ - أن الحاجة لم تدع إلى ذلك، ولم يقع ما يوجب العمل بهذا الضبط الكتابي المجموع للقرآن الكريم، بدلالة أنه لو كان مما تحتاج إليه

(١) العُسُبُ: قال أبو عبيد: «في حديث زيد بن ثابت حين أمره أبو بكر ﵁ أن يجمع القرآن قال: فجعلت أتتبعه من الرقاع والعُسُب واللِّخاف. قال الأصمعي: اللِّخاف واحدتها: لَخْفة وهي حجارة بيض رقاق. والعُسُب واحدها: عَسِيب وهو سَعَف النخل وأهل الحجاز يسمونه الجريد أيضًا» غريب الحديث (٤:١٥٦).
(٢) صحيح البخاري برقم (٧١٩١).
(٣) صحيح البخاري برقم (٤٥٩٣)؛ وأخرجه أيضًا مسلم برقم (١٨٩٨).

1 / 151