والثانى، أنَّ قلالَ هَجَرَ أكبرُ ما يكونُ مِن القِلالِ، وأشْهرُها في عَصْرِ النبيِّ ﷺ، ذكَره الْخَطَّابِىُّ، قال: وهى مشهورةُ الصَّنْعةِ، معلومةُ المِقْدار. لا تَختلفُ كما لا تختلف الصِّيعانُ والْمَكايِيل، لأن (١١) الحَدَّ لا يقَعُ بالمجهول. وقال أبو عُبَيْد: هي الحِبابُ (١٢)، وهى مُسْتفيضةٌ معروفة، فينْبغِى أن يُحْمَلَ لفظُ القُلَّتَيْن عليها؛ لشُهْرتها وكِبَرها، فإنَّ كلَّ معدودٍ جُعِلَ مِقْدارًا واحدا لم يتناوَلْ إلَّا أكْبرَها، لأنها أَقربُ إلى العِلْمِ، وأقلُّ في العَدَدِ، ولذلك قُلِدَ (١٣) نِصابُ الزَّكاةِ بالأَوْسُقِ (١٤)، دون الآصُعِ (١٥) والأمْدَادِ (١٦).
وقد دَلَّتْ هذه المسألةُ بصَريحها على أنَّ ما بلغ القُلَّتَيْن فلم يتغَيَّرْ بما وقَع فيه لا يَنْجسُ، وبمَفْهُومِها على أَنَّ مَا تغيَّر بالنجاسةِ نَجُسَ وإن كَثُرَ، وأنَّ ما دون القُلَّتَيْن ينْجُس بمُجَرَّدِ مُلاقاةِ النجاسةِ، وإن لم يتغَيَّرْ.
فأما نجَاسةُ ما تغيَّرَ بالنَّجاسةِ فلا خلافَ فيه، قال ابنُ المُنْذِر: أجْمَعَ أهلُ العِلْمِ على أنَّ الماءَ القليلَ والكثيرَ، إذا وقعتْ فيه نجَاسةٌ فغيَّرتْ للماءِ طَعْمًا أو لَوْنًا أو رائحةً، أنه نَجِسٌ ما دام كذلك. وقد روى أبو أُمامةَ الباهِلىُّ، أن النبيَّ ﷺ قال: "الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَىْءٌ إِلَّا مَا غَلَبَ عَلَى رِيحِهِ وَطَعْمِهِ وَلَوْنِهِ" روَاه ابنُ ماجَه (١٧). وقال حَرْبُ بن إسماعيل: سُئِل أحمدُ عن الماءِ إذا تغيَّر طَعْمُه أو رِيحُه (١٨)، قال: لا يتوَضَّأُ به ولا يَشْرَب، وليس فيه حديثٌ، ولكنَّ اللهَ تعالى حَرَّم المَيْتَة، فإذا صارتِ الميتةُ فى الماءِ فتغيَّر طَعْمُه أو رِيحهُ، فذلك طعمُ الميتةِ ورِيحُها،