Al-Mawsu'ah Al-'Aqidiya - Al-Durar Al-Sunniyah
الموسوعة العقدية - الدرر السنية
Maison d'édition
موقع الدرر السنية على الإنترنت dorar.net
Genres
فقوله: «خلق آدم على صورته»؛ يعني: صورة من الصور التي خلقها الله وصورها؛ كما قال تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ [الأعراف: ١١]، والمصور آدم إذًا؛ فآدم عل صورة الله؛ يعني: أن الله هو الذي صوره على هذه الصورة التي تعد أحسن صورة في المخلوقات، لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ [التين: ٤]؛ فإضافة الله الصورة إليه من باب التشريف؛ كأنه ﷿ اعتنى بهذه الصورة ومن أجل ذلك؛ لا تضرب الوجه؛ فتعيبه حسًا، ولا تقبحه فتقول: قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك؛ فتعيبه معنىً؛ فمن أجل أنه الصورة التي صورها الله وأضافها إلى نفسه تشريفًا وتكريمًا؛ لا تقبحها بعيب حسي ولا بعيب معنوي.
ثم هل يعتبر هذا الجواب تحريفًا أم له نظير؟
نقول: له نظير، كما في: بيت الله، وناقة الله، وعبد الله؛ لأن هذه الصورة (أي: صورة آدم) منفصلة بائنة من الله، وكل شيء أضافه الله إلى نفسه وهو منفصل بائن عنه؛ فهو من المخلوقات؛ فحينئذ يزول الإشكال.
ولكن إذا قال قائل: أيما أسلم المعنى الأول أو الثاني؟ قلنا: المعنى الأول أسلم، ما دمنا نجد أن لظاهر اللفظ مساغًا في اللغة العربية، وإمكانًا في العقل؛ فالواجب حمل الكلام عليه، ونحن وجدنا أن الصورة لا يلزم منها مماثلة الصورة الأخرى، وحينئذ يكون الأسلم أن نحمله على ظاهره.
فإذا قلت: ما هي الصورة التي تكون لله ويكون آدم عليها؟
قلنا: إن الله ﷿ له وجه، وله عين، وله يد، وله رجل ﷿، لكن لا يلزم من أن تكون هذه الأشياء مماثلة للإنسان؛ فهناك شيء من الشبه لكنه ليس على سبيل المماثلة؛ كما أن الزمرة الأولى من أهل الجنة فيها شبه من القمر لكن بدون مماثلة، وبهذا يصدق ما ذهب إليه أهل السنة والجماعة؛ من أن جميع صفات الله ﷾ ليست مماثلة لصفات المخلوقين؛ من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل.
نسمع كثيرًا من الكتب التي نقرأها يقولون: تشبيه؛ يعبرون بالتشبيه وهم يقصدون التمثيل؛ فأيما أولى: أنعبر بالتشبيه، أو نعبر بالتمثيل؟
نقول بالتمثيل أولى.
أولًا: لأن القرآن عبر به: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى: ١١]، فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَادًا [البقرة: ٢٢] ... وما أشبه ذلك، وكل ما عبر به القرآن؛ فهو أولى من غيره؛ لأننا لا نجد أفصح من القرآن، ولا أدل على المعنى المراد من القرآن، والله أعلم بما يريده من كلامه، فتكون موافقة القرآن هي الصواب، فنعبر بنفي التمثيل. وهكذا في كل مكان؛ فإن موافقة النص في اللفظ أولى من ذكر لفظ مرادف أو مقارب.
ثانيًا: أن التشبيه عند بعض الناس يعني إثبات الصفات ولهذا يسمون أهل السنة: مشبهة؛ فإذا قلنا: من غير تشبيه وهذا الرجل لا يفهم من التشبيه إلا إثبات الصفات؛ صار كأننا نقول له: من غير إثبات صفات! فصار معنى التشبيه يوهم معنى فاسدًا، فلهذا كان العدول عنه أولى.
ثالثًا: أن نفي التشبيه على الإطلاق غير صحيح؛ لأن ما من شيئين من الأعيان أو من الصفات إلا وبينهما اشتراك من بعض الوجوه، والاشتراك نوع تشابه، فلو نفيت التشبيه مطلقًا؛ لكنت نفيت كل ما يشترك فيه الخالق والمخلوق في شيء ما.
مثلًا: الوجود؛ يشترك في أصله الخالق والمخلوق، هذا نوع اشتراك نوع تشابه، لكن فرق بين الوجودين؛ وجود الخالق واجب، ووجود المخلوق ممكن.
وكذلك السمع؛ فيه اشتراك؛ الإنسان له سمع، والخالق له سمع، لكن بينهما فرق، لكن أصل وجود السمع مشترك.
فإذا قلنا: من غير تشبيه ونفينا مطلق التشبيه؛ صار في هذا إشكال.
وبهذا عرفنا أن التعبير بالتمثيل أولى من ثلاثة أوجه
فإن قلت: ما الفرق بينهما من وجهين.
الأول: أن التمثيل ذكر الصفة مقيدة بمماثل؛ فتقول يد فلان مثل يد فلان، والتكييف ذكر الصفة غير مقيدة بمماثل؛ مثل أن تقول: كيفية يد فلان كذا وكذا.
وعلى هذا نقول: كل ممثل مكيف، ولا عكس.
الثاني: أن الكيفية لا تكون إلا في الصفة والهيئة، والتمثيل يكون في ذلك كما في قوله تعالى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ [الطلاق: ١٢]؛ أي: في العدد شرح العقيدة الواسطية لمحمد بن صالح بن عثيمين – ١/ ١٠٢
(ينظر الفصل الخامس، من الباب الثالث، في الكتاب الثاني من الموسوعة)
1 / 105