Al-Ihkam
الإحكام شرح أصول الأحكام لابن قاسم
Numéro d'édition
الثانية
Année de publication
١٤٠٦ هـ
Genres
جمع الفقير إلى الله تعالى
عبد الرحمن بن محمد بن قاسم
الحنبلي النجدي
رحمه الله تعالى
(١٣١٢ - ١٣٩٢ هـ)
1 / 4
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي شرح صدر من اجتباه لمعرفة الأحكام.
وأبدع الإحكام أحمده سبحانه على ما أولاه من جزيل الفضل والإنعام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. الأحد الصمد الملك العلام ذو الجلال والإكرام أبان الحجة وأوضح المحجة ورفع أعلام السنة بالكتاب والسنة ووفيا بالأحكام، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله سيد الأنام -صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه البررة الكرام- ومن سار على منهاجهم واستقام وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد فإن أجل ما اشتغل به المشتغلون وأعلى ما شمر إليه العاملون وأشرف ما تنافس فيه المتنافسون هو معرفة الكتاب والسنة فهما النعمة المسداة والرحمة المهداة نصبهما الله لنا أعلى علم للهداية وأوضح محجة للعناية وهما ينبوع الرسالة وأساس الملة والديانة وأعظم العلوم منزلة وأرفعها قدرًا وأقربها فهمًا وأغزرها علمًا وأسهلها عبارة، وأوضحها دليلًا، ومع ذلك سلك الكثير سواهما سبيلًا، وقطعوا أعمارهم فيما لا يتخذ معتمدًا
1 / 5
ولا تأصيلًا، ومن له رغبة فيهما وفي الشرب من معينهما قد تكاثفت عليه العوائق وتداعت عليه الطرائق وتكالف تناول تلك الحقائق فساهمت في تسهيل ما استصعب.
وجمعت مختصرًا لطيفًا انتقيته من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية في الأحكام الفقهية سهل المنال واضح المنوال وهذا شرح له موجز مقتبس من كلام الأئمة الأعلام.
يوضح معانيه. ويؤيد مبانيه. أردفته بآيات وأخبار. وبإجماع الأئمة الأخيار أو قول جمهور السلف الأطهار وبترجيح شيخ الإسلام وغيره من فحول أماثل الأحبار. يغنيك في وقت قليل عن مطالعة عدة من الأسفار وعلى الله اعتمادي وإليه تفويضي واستنادي لا إله غيره ولا رب سواه.
(بسم الله الرحمن الرحيم) ابتدأ بالبسملة اقتداء بالكتاب العزيز فقد بدأ تعالى بها في محكم كتابه وتأسيًا بالنبي ﷺ في مكاتباته ومراسلاته. وعملًا بحديث (كل أمر ذي بال) أي حال وشأن يهتم به شرعًا (لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أقطع)، وفي رواية (أجذم)، وفي رواية (أبتر) والمعنى أنه ناقص البركة. قال الحافظ، وقد استقر عمل الأئمة المصنفين على افتتاح كتب العلم بالتسمية، وكذا معظم الرسائل. والاسم مشتق من السمو، وهو العلو، فكأنه علا على معناه وظهر عليه، فصار معناه تحته.
1 / 6
والله أعرف المعارف الجامع لمعاني الأسماء الحسني والصفات العليا، وهو مشتق أي دال على صفة له تعالى. وهي الإلهية وأصله الإله حذفت همزته وأدغمت اللام في اللام فقيل الله. ومعناه ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين. والرحمن رحمة عامة لجميع المخلوقات. والرحيم رحمة خاصة بالمؤمنين. اسمان مشتقان من الرحمة على وجه المبالغة.
(الحمد لله) الحمد ثناء والألف واللام لاستغراق جميع المحامد
قال شيخ الإسلام: الحمد ذكر محاسن المحمود مع حبه وإجلاله وتعظيمه، وثنى بالحمدلة بعد البسملة اقتاداء بالقرآن العظيم وبالنبي الكريم وعملًا بحديث (كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم) فتستحب البداءة بالحمد لله من كل مصنف ودارس ومدرس، وخطيب وخاطب ومزوج ومتزوج. وبين يدي سائر الأمور المهمة.
(الذي أرسل رسوله) محمدًا ﷺ (بالهدى) أي بالقرآن العظيم الذي أنزله عليه هدى للمتقين. وبما جاء به من الأخبار الصادقة والإيمان الصحيح والعلم النافع (ودين الحق) وهو الإسلام والأعمال الصالحة الصحيحة النافعة في الدنيا والآخرة. وقد امتن تعالى عليه وعلى أمته بما أنزل عليه من الكتاب والحكمة في غير موضع من كتابه منها قوله ﴿لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولًا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة﴾.
1 / 7
وأخبر أن الفرح به خير مما يجمعون، وقال ﷺ "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وسنتي"، فهما أصل الأصول وعمدة الملة والطريقة الحقة بل لا طريق إلى الله والجنة إلا بالكتاب والسنة فمن أخذ بهما فاز كل الفوز. وظفر كل الظفر.
أرسله الله تعالى بهما "رحمة للعالمين" كما قال تعالى: ﴿وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين﴾ فمن قبل هذه الرحمة وشكر هذه النعمة فهو رحمة له في الدنيا والآخرة، ومن ردها وجحدها فهو رحمة له في الدنيا بتأخير العذاب عنه ورفع الخسف والمسخ والاستئصال. قال ﵊ "إنما أنا رحمة مهداة" هدى به تعالى من الضلالة وبصر به من الغواية. فتح به أعينًا عميًا وآذانًا صمًا وقلوبًا غلفًا ووضع به الآصار والأغلال.
(وأشهد) أي أقطع وأجزم (أن لا إله إلا الله) أي لا معبود حق إلا الله (وحده) حال من الاسم الشريف تأكيد لإثبات (لا شريك له) تأكيد للنفي.
قال الحافظ: تأكيد بعد تأكيد. اهتمام بمقام التوحيد ﴿إله الأولين والآخرين﴾ أي مألوههم ومعبودهم المستحق أن يطاع ويتقى. قال تعالى ﴿وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم﴾.
(وأشهد أن محمدًا) هو أشرف أسمائه ﷺ اسم مفعول من حمد فهو محمد إذا كان كثير الخصال التي يحمد عليها
1 / 8
فهو الذي يحمد أكثر مما يحمد غيره من البشر (عبده) أشرف اسم له وصفة أيضًا فإنه: لا أشرف ولا أتم للمؤمن من وصفه بالعبودية لله تعالى. وهو أحب الأسماء إلى الله تعالى وأشرفها لديه. ولذا وصفه به في أشرف المقامات (أنزل على عبده الكتاب) (أسرى بعبده) وإضافته إليه إضافة تشريف. ومعناه المملوك العابد والعبودية الخاصة وصفه (ورسوله) أي مرسله وسفيره بأداء شريعته (الصادق) فيما يبلغه عن الله قال تعالى ﴿والذي جاء بالصدق﴾ وقال: ﴿مصدق لما معكم﴾.
(الأمين) على وحيه وكان يسمى قبل بعثته الأمين وأيده الله بالآيات والدلالات الواضحات القاطعات بصدقه وأمانته ومن كان كذلك فالنعمة به على العباد أكبر وأعظم وأتم وقال تعالى: ﴿لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم﴾ أي على هدايتكم ﴿بالمؤمنين رؤوف رحيم﴾ ﴿فإن تولوا﴾ أي أعرضوا عما جئتهم به من الشريعة العظيمة الكاملة الشاملة ﴿فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم﴾.
(صلى الله عليه) الصلاة من الله عليه هو الثناء والعناية به وإظهار شرفه وفضله (وعلى آله) أهل بيته وقيل أتباعه وآل الشخص هم من يأوون له ويؤولون إليه ويرجعون إليه ونفسه أولى فطلبت تبعًا له (وأصحابه) جمع صاحب وهم من اجتمع
1 / 9
بالنبي ﷺ مؤمنًا ومات على ذلك (والتابعين) لهم بإحسان إلى يوم الدين.
(وسلم) من السلام بمعنى التحية أو الأمان ضد الخوف أو السلامة من النقائص أو طلب السلامة له من الله أو اسم الله عليه إذا كان اسم الله يذكر على الأعمال توقعًا لاجتماع معاني الخيرات فيه (تسليمًا) مصدر مؤكد (كثيرًا) دائمًا أبدًا والصلاة والسلام عليه – ﷺ مستحبة كل وقت وتتأكد عند ذكر اسمه – ﷺ مستحبة كل وقت وتتأكد عند ذكر اسمه – ﷺ وآله وأصحابه والتابعون تبع له.
ووجه الثناء على الآل والأصحاب والأتباع هو وجه الثناء على النبي – ﷺ بعد الثناء على الله –﷿ لأنهم الواسطة في إبلاغ الشرائع إلى العباد فاستحقوا سؤال الثناء عليهم من الله –﷿ ولإتيانه بذكرهم في الصلاة فلا يتم الامتثال إلا بذكرهم (إلى يوم الدين) أي مستمرة إلى يوم القيامة.
(أما بعد) أي: بعد ما ذكر من حمد الله والشهادتين والصلاة على رسول الله – ﷺ وآله وأتباعه. وهذه الكلمة يؤتى بها للانتقال من أسلوب إلى غيره. ويستحب الإتيان بها في الخطب والمكاتبات اقتداء به – ﷺ وهي مبنية على الضم لقطعها عن الإضافة مع نية المضاف إليه.
(فهذا) إشارة إلى ما تصور في الذهن وأقيم مقام المكتوب الموجود، وقد يترك موضعها مبيضًا إلى فراغ الكتاب (مختصر)
1 / 10
أي موجز وهو ما قل لفظه وكثر معناه (يشتمل) أي يحتوي (على أصول الأحكام) مع صغر حجمه لأصالة مبانيه وكثرة معانيه. وأصول جمع أصل وهو ما يبنى عليه غيره.
والأحكام جمع حكم. وهو خطاب الشرع المتعلق بأفعال المكلفين والمراد هنا الأحكام الشرعية الفرعية. من عبادات ومعاملات وغيرها. وتنقسم الأحكام إلى خمسة أقسام. واجب. وحرام. ومستحب. ومباح. ومكروه (من الكتاب) يعني القرآن العزيز المنزل تبيانًا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين. (والسنة) المطهرة المتلقاة من أقوال رسول الله – ﷺ وأفعاله وتقريراته. فهما اللذان أمرنا باتباعهما والأخذ بهما. فيهما الهدى والنور. والشفاء لما في الصدور. وفي الاعتناء بهما الفوز والسعادة في الدنيا والآخرة. من اتبعهما لا يضل، ولا يشقى.
ومن أعرض عنهما فإن له معيشة ضنكًا ويحشر يوم القيامة أعمى كما عمي عنهما. وأرباب النهاية في علو الهمة لا يرضون بدون بعثها في علم الكتاب والسنة. فهما حجة الرب على العباد وعصمة العباد في المعاش والمعاد. والآيات الواردة في الأحكام نحو من خمسمائة آية. والأحاديث التي تدور عليها الشريعة نحو خمسمائة حديث. هذه أصولها. وأما تقاسيمها وتفاصيلها، فنحو من أربعة آلاف حديث ما بين صحيح وحسن محتج به وغالبها في هذا المختصر. وما فيه من ضعيف فلملاءمته لأصول الشرع.
1 / 11
(هذبته) استخلصته من آيات وأحاديث كثيرة (تقريبًا) أدناء وتسهيلًا (لطالبي) أي آخذي (مناهج) أي: مسالك وطرق (الملة) يعني الشريعة واسم لما شرعه الله تعالى على لسان رسوله ليتوصل به إلى جواره. ولا تستعمل إلا في جملة الشريعة دون آحادها (ولوهن) أي: ضعف (القوى) في طلب العلم (وتفرقها) تبددها وتشتتها.
(وضعف الهمم) أي الإرادات جمع همة لسبق القضاء من الله –﷿ بأنه "لا يأتي عليكم زمان إلا وما بعده شر منه حتى تلقوا ربكم" ومع ضعف الهمم وكثرة (تشعبها) أي كونها ذات شعب قد أخذ علم الخط والحساب والإملاء والإنشاء شعبة، وعلم العربية وقواعدها شعبة، وعلم التاريخ والتقويم والرياضات شعبة.
وكتب الفقه مع تعدد أجناسها واختلاف أنواعها وكثرة الأقوال فيها شعبة، وعلم الإسناد وأحوال الرواة شعبة، والفكر في كلام المصنفين وشيوخهم على اختلافهم، وما أرادوا به شعبة، إلى غير ذلك ومكابدة المعيشة إن لم تكن الأغلب أو الالتفات إلى لين اللباس ورقيق العيش. أو المبارات في جمع المال والمباهات وغير ذلك فإذا وصلوا إلى النصوص النبوية إن كان لهم همم تسافر إليها وصلوها بقلوب وأذهان قد كلت وأوهاها وأوهن قواها مواصلة السير في سواها.
فلذلك (بالغت) أي اجتهدت نهاية وسعي (في
1 / 12
اختصاره) لئلا تنفر النفوس عنه وتضعف عن حفظه قال علي –﵁: خير الكلام ما قل ودل. ولم يطل فيمل، أي يمل منه ويضجر من طوله والقصد (ليسهل حفظه) عن ظهر قلب فيعم الانتفاع باستظهار نصوص هي أصول الأحكام الفقهية على ترتيب الفقهاء. ولم أذكر من الآية والحديث سوى الشاهد المعمول به.
وما أوردته من الأحاديث:
فإن كان قد رواه البخاري ومسلم أو أحدهما لم أذكر غيرهما من الرواة لاتفاق أهل العلم على صحة ما أخرجاه أو أخرجه أحدهما. أما ما لم يروه واحد منهما ورواه أهل السنن الأربعة أبو داود والترمذي والنسائي. وابن ماجه. وغيرهم كأحمد. ومالك. والشافعي وكابن خزيمة وابن حبان. والحاكم. والبيهقي. وغيرهم. وصححه أحمد. أو البخاري. أو الترمذي. أو شيخ الإسلام. أو ابن القيم. أو الحافظ ابن حجر. أو أمثالهم فاذكر بعض من رواه كالخمسة أحمد وأهل السنن. أوهم أو بلفظ الأربعة. أو الثلاثة وهم ما عدا ابن ماجه، أو اقتصر على أحد مخرجيه تسهيلا.
وقد اقتصر على بعض من صححه. أو تحسين الترمذي، وما رواه أهل السنن وغيرهم. أو بعضهم وصححه أحد الحفاظ. كابن خزيمة. وابن حبان. والحاكم. وأمثالهم. وسكت عنه أبو داود. والمنذري أو صححه. فاقتصر على بعض رواته دون من
1 / 13
صححه وتكلم فيه لاستناده إلى غيره من النصوص. أو الأصول الشرعية لاتفاق أهل العلم أو جمهورهم على جواز الاحتجاج والعمل بما صححه بعض الحفاظ.
وما لم يصححه أحد منهم أذكره وضعفه وإن كان أنه لا يلزم منه أن يدل على الحكم بانفراده لكن أثبته لانضمام غيره إليه وملائمته لأصول الشرع ونقل أهل العلم له وعملهم به أو جمهورهم وهم لا يجمعون إلا على ما له أصل في الكتاب والسنة.
وما ذكرته عن الصحابة –﵃ فهو إما إجماع أو قول الجمهور مع أنه لم يزل أهل العلم يحتجون بفتاويهم وأقوالهم في كل عصر ومصر لا ينكره منكر. وحكى بعض المالكية الإجماع على جواز الاحتجاج بأقوالهم.
وسنوضح إن شاء الله كل مسألة بدليلها وتعليها وإجماع العلماء عليها. أو جمهورهم. وكل مسألة لا بد فيها من حكم ثابت في نفس الأمر أو تفصيل وإن كان لا يمكن أن يعمل في كل مسألة بقول يجمع عليه لكن القول الصحيح عليه دلائل شرعية تبين الحق وتوضحه ومن له بصر بالأدلة الشرعية عرف الراجح في الشرع. وإذا تبين رجحان قول وصحة مأخذه خرج على قواعد الأئمة الأربعة وصار مذهبًا لهم.
(والله أسأل أن ينفع به) أي: ينفع بكتاب أصول الأحكام
1 / 14
فإنه سبحانه لا يضيع لديه عمل عامل (وأن يجعله خالصًا) ومن شائبة الرياء (لوجهه) جل وعلا وتقدس (وهو) تعالى (حسبنا) أي كافينا ومغنينا. عمن سواه (ونعم الوكيل) الموكل إليه أمورنا ﷻ وتقدست أسماؤه.
1 / 15
كتاب الطهارة
كتاب مصدر كتب يكتب كتبًا خط على القرطاس ما يريد إبلاغه لغيره أو حفظه من النسيان ومدار المادة على الجمع.
والطهارة مصدر طهر يطهر. والاسم الطهر. ومعناها النظافة من الأقذار. وحقيقتها استعمال المطهرين على الصفة المشروعة بدأ بها لأنها مفتاح الصلاة وشرطها الذي لا تصح
إلا به.
باب المياه
الباب لغة المدخل إلى الشيء. واصطلاحًا اسم لجملة من العلم تحته فصول ومسائل غالبًا. والمياه جمع ماء. اسم جنس ساغ جمعه باعتبار ما تنوع إليه. والألف واللام فيه لبيان حقيقة الجنس لا للجنس الشامل قال الله تعالى: ﴿وينزل عليكم من السماء﴾ أي السحاب ﴿ماء﴾ وهو المطر وكل ما علاك فهو سماء ﴿ليطهركم به﴾ من الأحداث والنجاسات وذلك أن المسلمين نزلوا يوم بدر على كثيب رمل تسوخ فيه الأقدام. وكان المشركون سبقوهم إلى ماء بدر.
فأصبح المسلمون على غير ماء. وبعضهم محدث.
1 / 16
وبعضهم جنب. وأصابهم العطش. فأنزل الله مطرًا سال منه الوادي فشربوا واغتسلوا وتوضئوا وسقوا الركاب وملؤا الأسقية ولبد الأرض. وكان دليلًا على نصره تعالى لهم ويأتي قوله تعالى: ﴿وأنزلنا من السماء ماء طهورًا﴾ وهو الطاهر في ذاته المطهر لغيره فدلت الآية على أن الماء آلة يحصل به التطهير.
وقال تعالى: ﴿فلم تجدوا ماء﴾ وهذا عام من جوامع الكلم فسواء كان الماء نازلًا من السماء كماء المطر وذوب الثلج والبرد أو ماء الأنهار والعيون والآبار والبحار. ولو تصاعد ثم قطر ما لم تتغير أحد أوصافه الثلاثة بنجاسة أو يخرج عن اسم الماء كماء ورد.
(وعن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي –﵁ لازم النبي – ﷺ ولم يكن أحد أكثر حديثًا منه توفي سنة تسع وخمسين، وله ثمان وسبعون (قال: قال رسول الله – ﷺ في البحر) أي في حكم ماء البحر والبحر الماء الكثير أو المالح (هو الطهور ماؤه) بفتح الطاء وشدها صيغة مبالغة أي ماء البحر هو معظم الماء الذي يتطهر به لا يخرج عن الطهورية إلا ما سيأتي من تخصيصه بما إذا تغيرت أحد أوصافه وبه قال جميع العلماء. إلا ما روي عن ابن عمر وابن سرين وابن عبد البر ولا حجة في قول عارض المرفوع والإجماع وتعريفه بالألف واللام لا ينفي طهورية غيره لوقوعه جواب سؤال عن ماء البحر مخصص بالمنطوقات الصحيحة.
1 / 17
(الحل) مصدر حل الشيء ضد حرم ولفظ الدارقطني الحلال (ميتته) أي ما مات فيه حتف أنفه من حيواناته وفيه مشروعية الزيادة في الجواب على سؤال السائل إذا علم أن به حاجة إليه (رواه الخمسة) الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ورواه غيرهم (وصححه البخاري) أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبة الجعفي الشهير الحافظ الكبير إمام هذا الشأن صاحب الصحيح وغيره ولد سنة أربع وتسعين ومائة وتوفي سنة ست وخمسين ومائتين والصحيح ما نقله عدل تام الضبط عن مثله من غير شذوذ ولا علة وصححه أيضًا الترمذي وابن خزيمة وابن حبان وابن عبد البر وغيرهم وتلقته الأئمة بالقبول وتداوله فقهاء الأمصار.
(وعن أبي سعيد) سعد بن مالك بن سنان الخزرجي الأنصاري (الخدري) بضم الخاء نسبة إلى بني خدرة حي من الأنصار كان من علماء الصحابة روى كثيرًا وشهد البيعة ومات سنة أربع وسبعين، وله ست وثمانون (قال قال رسول الله – ﷺ الماء طهور لا ينجسه شيء) أي لا ينجس بوقوع شيء فيه سواء كان قليلًا أو كثيرًا ما لم يتغير بنجاسة. وقال الشيخ هو عام في القليل والكثير وفي جميع النجاسات.
والحديث له سبب وهو أنه قيل لرسول الله – ﷺ أنتوضأ من بئر بضاعة؟ وهي بئر يلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب والنتن
1 / 18
فقال: «الماء طهور لا ينجسه شيء» (رواه الثلاثة) أبو داود والترمذي والنسائي، ورواه غيرهم من غير وجه عن النبي – ﷺ (وصححه أحمد) بن حنبل الشيباني ناصر السنة المجمع على إمامته صاحب المسند والتفسير وغيرهما قال شيخ الإسلام كان أعلم من غيره بالكتاب والسنة وأقوال الصحابة والتابعين توفي سنة إحدى وأربعين ومائتين وصححه أيضًا ابن معين وابن حزم والحاكم وشيخ الإسلام وغيرهم والترمذي من حديث ابن عباس.
(زاد ابن ماجه) أبو عبد الله محمد بن يزيد الربعي مولاهم القزويني الحافظ صاحب السنن المتوفى سنة ثلاث وسبعين ومائتين (من حديث أبي أمامة) صدي بن عجلان الباهلي أحد المكثرين من الروايات مات بحمص سنة إحدى وثمانين (إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه) ريح الشيء هو ما يدرك بحاسة الشم. وطعمه حلاوته أو مرارته وما بين ذلك. ولونه ما فصل بينه وبين غيره. وصفته أو هيئته كالبياض والسواد.
وغلب أي قهر أحد هذه الثلاثة صفة الماء التي خلق عليها كما فسره رواية البيهقي الماء طهور إلا إن تغير ريحه أو طعمه. أو لونه. بنجاسة تحدث فيه وسنده ضعيف أي سند ما روي به الزيادة؛ لأن فيه رشدين بن سعد قال الشافعي روي من وجه لا يثبت أهل الحديث مثله، ولكن هذه الزيادة قد أجمع العلماء على القول بحكمها وقال أحمد ليس فيه حديث ولكن الله حرم الميتة فإذا صارت الميتة في الماء فتغير طعمه أو ريحه فذلك طعم الميتة أو
1 / 19
ريحها فلا يحل له وحقيقة الحديث الضعيف هو ما اختل فيه أحد شروط الصحيح أو الحسن.
(والأصل في ذلك الإجماع) حكاه جماعة منهم ابن المنذر وابن رشد وشيخ الإسلام وقال ما أجمع عليه المسلمون فإنه يكون منصوص عن النبي – ﷺ ولا نعلم مسألة واحدة أجمع عليها أنه لا نص فيها. والإجماع لغة العزم والاتفاق. واصطلاحًا اتفاق المجتهدين من هذه الأمة في عصر على أمر. قال وهو أحد الأصول الثلاثة. وينبغي للمجتهد أن ينظر إليه أول شيء في كل مسألة فإن وجده لم يحتج إلى النظر في سواه لكونه دليلًا قاطعًا ثابتًا في نفس الأمر لا يقبل نسخًا ولا تأويلًا. وكثير من الفرائض التي لا يسع جهلها إذا قلت أجمع الناس لا تجد أحدًا يقول هذا ليس بإجماع.
(وعن ابن عمر) هو عبد الله بن عمر بن الخطاب أسلم صغيرًا بمكة وشهد الخندق كان من أوعية العلم وروى عنه خلائق توفي بمكة سنة ثلاث وسبعين (قال: قال رسول الله ﷺ إذا كان الماء قلتين) تثنية قلة وهي اسم لكل ما ارتفع وعلا والمراد هنا الجرة الكبيرة من قلال هجر تسع قربتين أو أكثر وهما خمسمائة رطل عراقي تقريبًا (لم يحمل الخبث) بفتح المعجمة والموحدة أي يدفع النجاسة عن نفسه كما يقال فلان لا يحمل الضيم إذا كان يأباه ويدفعه عن نفسه وأصله أنه سئل ﷺ عن
1 / 20
الماء يكون بالفلاة وما ينوبه من السباع فقال ذلك (رواه الخمسة) والشافعي وغيرهم وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وغيرهم وتكلم فيه ابن عبد البر وغيره.
قال شيخ الإسلام وأكثر أهل العلم بالحديث على أنه حديث حسن يحتج به وأجابوا عن كلام من طعن فيه. ومنطوقه موافق لغيره. وأما مفهومه فلا يلزم منه أن يكون كلما لم يبلغ القلتين ينجس. ولم يذكر هذا التقدير ابتداء وإنما ذكره في جواب من سأله عن مياه الفلاة. والتخصيص إذا كان له سبب لم يبق حجة بالاتفاق والمسئول عنه كثير، ومن شأنه أنه لا يحمل الخبث.
فدل على أن مناط التنجيس هو كون الخبث محمولًا فحيث كان الخبث محمولًا موجودًا في الماء كان نجسًا وحيث كان مستهلكًا غير محمول في الماء كان الماء باقيًا على طهارته فصار حديث القلتين موافقًا لقوله – ﷺ "الماء طهور لا ينجسه شيء" لم يرد أن كلمها لم يبلغ القتلين فإنه يحمل الخبث فإن هذا مخالفة للحس. إذ قد يحمل وقد لا يحمل. ونكتة الجواب أن كونه يحمل أو لا يحمل أمر حسي يعرف بالحس. فإنه إذا كان الخبث موجودًا فيه كان محمولًا. وإن كان مستهلكًا لم يكن محمولًا.
قال والذي دلت عليه السنة وعليه الصحابة وجمهور السلف أن الماء لا ينجس إلا بالتغير وإن كان يسيرًا. وقال إذا
1 / 21
تغير فإنما حرم لظهور جرم النجاسة فيه بخلاف ما إذا استهلكت. وقال ابن القيم الذي تقتضيه الأصول أن الماء إذا لم تغيره النجاسة لا ينجس فإنه باق على أصل خلقته وهو طيب فيدخل في قوله: ﴿ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث﴾.
وهذا هو القياس في المائعات جميعها إذا وقع فيها نجاسة فاستحالت بحيث لم يظهر لها لون. ولا طعم ولا ريح. وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب: إذا كان دون القلتين فكثير من أهل العلم أو أكثرهم على أنه طهور داخل في قوله، فلم تجدوا ماء. اهـ
والعدول عنه مع وجود غيره أولى احتياطًا. وخروجًا من الخلاف. وكلاهما مطلوبان.
(وعن أبي هريرة قال قال رسول الله – ﷺ لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم) أي الراكد الذي لا يجري (وهو جنب) قال شيخ الإسلام. لما يفضي إلى إفساده. وإلى الوسواس اهـ.
وطهارته بحالها لما تقدم إلا أنه مكروه وأبلغ من ذلك البول فيه.
وقد ثبت النهي عنه لما فيه من إفساد مياه الناس ومواردهم.
والجنب من جامع أو أنزل (رواه مسلم) بن الحجاج القشيري النيسابوري الحافظ في صحيحه الذي هو ثاني الصحيحين المجمع على صحتهما وقد فاق صحيح البخاري بحسن ترتيبه وسياقه المتوفي سنة إحدى وستين ومائتين.
(وله) أي لمسلم في صحيحه (عن ابن عباس) عبد الله
1 / 22
بن عباس حبر الأمة ولد قبل الهجرة بثلاث سنين دعا له النبي ﷺ بالفقه في الدين توفي بالطائف سنة ثمان وستين (أن النبي ﷺ كان يغتسل بفضل ميمونة) أم المؤمنين بنت الحارث الهلالية كان اسمها برة فسماها النبي – ﷺ ميمونة تزوجها سنة سبع وتوفيت سنة إحدى وستين، وفي السنن قالت إني كنت جنبًا فقال إن الماء لا يجنب صححه الترمذي.
وحكى الوزير والنووي وغيرهما الإجماع على جواز وضوء الرجل بفضل المرأة وإن خلت بالماء إلا في إحدى الروايتين عن أحمد، وما رواه أهل السنن من النهي عن ذلك لا يقاوم الرخصة في ذلك، وحمل النهي عن وضوء الرجل بفضل المرأة على التنزيه أولى جمعًا بين الأدلة، وأما وضوء المرأة بفضل الرجل فجائز بلا نزاع.
باب الآنية
أي هذا باب يذكر فيه أحاديث في أحكام الآنية. وجلد الميتة والآنية هي الأوعية جمع إناء. لما ذكر الماء وكان سيالًا محتاجًا إلى ظرف ناسب ذكر ظرفه.
(عن حذيفة) بن اليمان بن حسل العبسي صاحب سر رسول الله ﷺ روى عنه جماعة من الصحابة والتابعين مات سنة خمس وثلاثين (قال قال رسول الله ﷺ لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها) جمع صحفة وهي دون القصعة
1 / 23