Le perfectionnement dans les fondements des jugements
الإحكام في أصول الأحكام
Maison d'édition
المكتب الإسلامي
Numéro d'édition
الثانية
Année de publication
١٤٠٢ هـ
Lieu d'édition
(دمشق - بيروت)
Genres
Usul al-fiqh
قَوْلُهُمْ: مَا ذَكَرْتُمُوهُ لَازِمٌ عَلَيْكُمْ فِي الْإِيجَابِ الشَّرْعِيِّ لَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ الْفَائِدَةَ الْأُخْرَوِيَّةَ وَإِنْ لَمْ يَسْتَقِلَّ الْعَاقِلُ بِمَعْرِفَتِهَا فَاللَّهُ تَعَالَى عَالِمٌ بِهَا، كَيْفَ وَإِنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يَلْزَمُ مِنَّا أَنْ لَوِ اعْتَبَرْنَا الْحِكْمَةَ فِي الْإِيجَابِ الشَّرْعِيِّ، وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ أَصْلِنَا. (١) وَأَمَّا الْمُعَارَضَةُ بِمَا ذَكَرُوهُ مِنْ إِفْحَامِ الرُّسُلِ فَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ:
الْأَوَّلُ: مَنْعُ تَوَقُّفِ اسْتِقْرَارِ الشَّرْعِ عَلَى نَظَرِ الْمَدْعُوِّ فِي الْمُعْجِزَةِ، بَلْ مَهْمَا ظَهَرَتِ الْمُعْجِزَةُ فِي نَفْسِهَا وَكَانَ صِدْقُ النَّبِيِّ فِيمَا ادَّعَاهُ مُمْكِنًا وَكَانَ الْمَدْعُوُّ عَاقِلًا مُتَمَكِّنًا مِنَ النَّظَرِ وَالْمَعْرِفَةِ، فَقَدِ اسْتَقَرَّ الشَّرْعُ وَثَبَتَ، وَالْمَدْعُوُّ مُفَرِّطٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ.
الثَّانِي: إِنَّ الدَّوْرَ لَازِمٌ عَلَى الْقَائِلِ بِالْإِيجَابِ الْعَقْلِيِّ ; لِأَنَّ الْعَقْلَ بِجَوْهَرِهِ غَيْرُ مُوجِبٍ دُونَ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ، وَإِلَّا لَمَا خَلَا عَاقِلٌ عَنْ ذَلِكَ، وَعِنْدَ ذَلِكَ فَلِلْمَدْعُوِّ أَنْ يَقُولَ: لَا أَنْظُرُ فِي مُعْجِزَتِكَ حَتَّى أَعْرِفَ وُجُوبَ النَّظَرِ، وَلَا أَعْرِفُ وُجُوبَ النَّظَرِ حَتَّى أَنْظُرَ، وَهُوَ دَوْرٌ مُفْحِمٌ. وَالْجَوَابُ إِذْ ذَاكَ يَكُونُ وَاحِدًا، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَالْمَسْأَلَةُ ظَنِّيَّةٌ لَا قَطْعِيَّةٌ.
[الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ لَا حُكْمَ لِأَفْعَالِ الْعُقَلَاءِ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ
مَذْهَبُ الْأَشَاعِرَةِ وَأَهْلِ الْحَقِّ: أَنَّهُ لَا حُكْمَ لِأَفْعَالِ الْعُقَلَاءِ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ.
وَأَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ فَإِنَّهُمْ قَسَّمُوا الْأَفْعَالَ الْخَارِجَةَ عَنِ الْأَفْعَالِ الِاضْطِرَارِيَّةِ إِلَى مَا حَسَّنَهُ الْعَقْلُ، وَإِلَى مَا قَبَّحَهُ، وَإِلَى مَا لَمْ يَقْضِ الْعَقْلُ فِيهِ بِحُسْنٍ وَلَا قُبْحٍ. فَمَا حَسَّنَهُ الْعَقْلُ: إِنِ اسْتَوَى فِعْلُهُ وَتَرْكُهُ فِي النَّفْعِ وَالضَّرَرِ سَمَّوْهُ مُبَاحًا، وَإِنْ تَرَجَّحَ فِعْلُهُ عَلَى تَرْكِهِ فَإِنْ لَحِقَ الذَّمُّ بِتَرْكِهِ سَمَّوْهُ وَاجِبًا، وَسَوَاءٌ كَانَ مَقْصُودًا لِنَفْسِهِ كَالْإِيمَانِ أَوْ لِغَيْرِهِ كَالنَّظَرِ الْمُفْضِي إِلَى مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ لَمْ يَلْحَقِ الذَّمُّ بِتَرْكِهِ سَمَّوْهُ مَنْدُوبًا. وَمَا قَبَّحَهُ الْعَقْلُ: فَإِنِ الْتَحَقَ الذَّمُّ بِفِعْلِهِ سَمَّوْهُ
_________
(١) قَدْ ثَبَتَ لِلَّهِ كَمَالُ الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ بِدَلِيلِ النَّقْلِ وَالْعَقْلِ بِالنَّظَرِ مِنْ كَوْنِهِ وَشَرْعِهِ، فَهُوَ سُبْحَانَهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ عَلَى مُقْتَضَى الْحِكْمَةِ فِي فِعْلِهِ وَشَرْعِهِ، وَيَرْعَى مِنْ ذَلِكَ مَصْلَحَةَ عِبَادِهِ فَضْلًا مِنْهُ وَرَحْمَةً.
1 / 91