248

Le perfectionnement dans les fondements des jugements

الإحكام في أصول الأحكام

Maison d'édition

المكتب الإسلامي

Numéro d'édition

الثانية

Année de publication

١٤٠٢ هـ

Lieu d'édition

(دمشق - بيروت)

[الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ اشْتِرَاطِ عَدَدِ التَّوَاتُرِ فِي الْإِجْمَاعِ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ
اخْتَلَفُوا فِي اشْتِرَاطِ عَدَدِ التَّوَاتُرِ فِي الْإِجْمَاعِ، فَمَنِ اسْتَدَلَّ عَلَى كَوْنِ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً بِدَلَالَةِ الْعَقْلِ وَهُوَ أَنَّ الْجَمْعَ الْكَثِيرَ لَا يُتَصَوَّرُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْخَطَأِ كَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرِهِ فَلَا بُدَّ مِنَ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ عِنْدَهُ لِتَصَوُّرِ الْخَطَأِ عَلَى مَنْ دُونَ عَدَدِ التَّوَاتُرِ.
وَأَمَّا مَنِ احْتَجَّ عَلَى ذَلِكَ بِالْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ، فَقَدِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ شَرَطَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ.
وَالْحَقُّ أَنَّهُ غَيْرُ مُشْتَرَطٍ لِمَا بَيَّنَّاهُ مِنْ أَنَّ إِثْبَاتَ الْإِجْمَاعِ بِطَرِيقِ الْعَقْلِ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ، وَأَنَّهُ لَا طَرِيقَ إِلَيْهِ سِوَى الْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَعَلَى هَذَا فَمَهْمَا كَانَ عَدَدُ الْإِجْمَاعِ أَنْقَصَ مِنْ عَدَدِ التَّوَاتُرِ صَدَقَ عَلَيْهِمْ لَفْظُ (الْأُمَّةِ) وَ(الْمُؤْمِنِينَ) وَكَانَتِ الْأَدِلَّةُ السَّمْعِيَّةُ مُوجِبَةً لِعِصْمَتِهِمْ عَنِ الْخَطَأِ عَلَيْهِمْ، وَوَجَبَ اتِّبَاعُهُمْ.
فَإِنْ قِيلَ: مَا ذَكَرْتُمُوهُ إِنَّمَا يَصِحُّ بِتَقْدِيرِ عَوْدِ عَدَدِ الْمُسْلِمِينَ إِلَى مَا دُونُ عَدَدِ التَّوَاتُرِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ مَهْمَا دَامَ التَّكْلِيفُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِدِينِ الْإِسْلَامِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ بِهِ إِنَّمَا يَكُونُ مَعَ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَى ذَلِكَ، وَالْحُجَّةُ عَلَى ذَلِكَ إِنَّمَا تَكُونُ بِالنَّقْلِ الْمُفِيدِ لِوُجُودِ مُحَمَّدٍ وَتَحَدِّيهِ بِالرِّسَالَةِ، وَمَا وَرَدَ عَلَى لِسَانِهِ مِنْ مُعْجِزِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَأَدِلَّةِ الْأَحْكَامِ يَقِينًا، وَلَا يُفِيدُ ذَلِكَ غَيْرُ التَّوَاتُرِ مِنْ أَخْبَارِ الْمُسْلِمِينَ لِعَدَمِ نَقْلِ غَيْرِهِمْ لِذَلِكَ وَمُبَالَغَتِهِمْ فِي مَحْوِ ذَلِكَ وَإِعْدَامِهِ.
سَلَّمْنَا إِمْكَانَ انْتِفَاءِ التَّكْلِيفِ مَعَ عَوْدِ عَدَدِ الْمُجْمِعِينَ إِلَى مَا دُونُ عَدَدِ التَّوَاتُرِ وَلَكِنْ مَا دُونُ عَدَدِ التَّوَاتُرِ مِمَّا لَا يُعْلَمُ إِسْلَامُهُمْ وَإِيمَانُهُمْ بِأَقْوَالِهِمْ، وَمَنْ لَا يُعْلَمُ إِيمَانُهُ لَا يُعْلَمُ صِدْقُهُ فِي الْخَبَرِ عَنِ الدِّينِ.
سَلَّمْنَا إِمْكَانَ حُصُولِ الْعِلْمِ بِأَقْوَالِ مَنْ عَدَدُهُمْ دُونَ عَدَدِ التَّوَاتُرِ فَلَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الْأُمَّةِ سِوَى وَاحِدٍ هَلْ تَقُومُ الْحُجَّةُ بِقَوْلِهِ أَمْ لَا؟
وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ: أَنَّا إِنْ قُلْنَا إِنَّ أَهْلَ الْإِجْمَاعِ هُمْ أَهْلُ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ نُقْصَانِ عَدَدِهِمْ عَنْ عَدَدِ التَّوَاتُرِ انْقِطَاعُ الْحُجَّةِ بِالتَّكْلِيفِ؛ لِإِمْكَانِ حُصُولِ الْمَعْرِفَةِ بِذَلِكَ مِنْ أَخْبَارِ الْمُجْتَهِدِينَ وَالْعَامَّةِ جَمِيعًا، فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ التَّوَاتُرِ أَنْ

1 / 250