Le perfectionnement dans les fondements des jugements

Saif al-Din al-Amidi d. 631 AH
159

Le perfectionnement dans les fondements des jugements

الإحكام في أصول الأحكام

Maison d'édition

المكتب الإسلامي

Numéro d'édition

الثانية

Année de publication

١٤٠٢ هـ

Lieu d'édition

(دمشق - بيروت)

بِطْرِيقِ تَلَقِّي آحَادِ آيَاتِهِ مِنَ الْآحَادِ، وَلِذَلِكَ اخْتَلَفَتْ مَصَاحِفُ الصَّحَابَةِ. وَلَوْ كَانَ قَدْ أَلْقَاهُ إِلَى جَمَاعَةٍ تَقُومُ الْحُجَّةُ بِقَوْلِهِمْ، لَمَا كَانَ كَذَلِكَ. وَلِهَذَا أَيْضًا اخْتَلَفُوا فِي الْبَسْمَلَةِ أَنَّهَا مِنَ الْقُرْآنِ، وَأَنْكَرَ ابْنُ مَسْعُودٍ كَوْنَ الْفَاتِحَةِ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ مِنَ الْقُرْآنِ. سَلَّمْنَا وُجُوبَ ذَلِكَ عَلَى النَّبِيِّ ﵇، وَأَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْهُ جَمْعٌ تَقُومُ الْحُجَّةُ بِقَوْلِهِمْ، وَلَكِنْ إِنَّمَا يَمْتَنِعُ السُّكُوتُ عَنْ نَقْلِهِ عَلَى الْكُلِّ لِعِصْمَتِهِمْ عَنِ الْخَطَأِ، وَلَا يَمْتَنِعُ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى بَعْضِهِمْ، وَإِذَا كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ مِنْ جُمْلَتِهِمْ وَقَدْ رَوَى مَا رَوَاهُ فَلَمْ يَقَعِ الِاتِّفَاقُ مِنَ الْكُلِّ عَلَى الْخَطَأِ بِالسُّكُوتِ وَعِنْدَ ذَلِكَ فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ رِوَايَتِهِ لِذَلِكَ فِي مُصْحَفِهِ عَلَى أَنَّهُ مِنَ الْقُرْآنِ ; لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِهِ الصِّدْقُ وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُعَارِضُهُ. غَايَتُهُ أَنَّهُ غَيْرُ مُجْمَعٍ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ، لِعَدَمِ تَوَاتُرِهِ، وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِكَوْنِهِ قُرْآنًا أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْقُرْآنِ، وَأَمْكَنَ أَنْ لَا يَكُونَ لِكَوْنِهِ خَبَرًا عَنِ النَّبِيِّ ﵇ وَأَمْكَنَ أَنْ (١) يَكُونُ لِكَوْنِهِ مَذْهَبًا لَهُ كَمَا ذَكَرْتُمُوهُ، وَهُوَ حُجَّةٌ بِتَقْدِيرِ كَوْنِهِ قُرْآنًا، وَبِتَقْدِيرِ كَوْنِهِ خَبَرًا عَنِ النَّبِيِّ ﵇. وَهُمَا احْتِمَالَانِ وَإِنَّمَا لَا يَكُونُ حُجَّةً بِتَقْدِيرِ كَوْنِهِ مَذْهَبًا لَهُ، وَهُوَ احْتِمَالٌ وَاحِدٌ وَلَا يَخْفَى أَنَّ وُقُوعَ احْتِمَالٍ مِنَ احْتِمَالَيْنِ أَغْلَبُ مِنْ وُقُوعِ احْتِمَالٍ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ. سَلَّمْنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْآنٍ، وَأَنَّهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْخَبَرِ وَبَيْنَ كَوْنِهِ مَذْهَبًا لَهُ. إِلَّا أَنَّ احْتِمَالَ كَوْنِهِ خَبَرًا رَاجِحٌ ; لِأَنَّ رِوَايَتَهُ لَهُ مُوهِمٌ بِالِاحْتِجَاجِ بِهِ. وَلَوْ كَانَ مَذْهَبًا لَهُ لَصَرَّحَ بِهِ، نَفْيًا لِلتَّلْبِيسِ عَنِ السَّامِعِ الْمُعْتَقِدِ كَوْنِهِ حُجَّةً مَعَ الِاخْتِلَافِ فِي مَذْهَبِ الصَّحَابِيِّ هَلْ هُوَ حُجَّةٌ أَمْ لَا. وَالْجَوَابُ: أَمَّا وُجُوبُ إِلْقَائِهِ عَلَى عَدَدٍ تَقُومُ الْحُجَّةُ بِقَوْلِهِمْ، فَذَلِكَ مِمَّا لَمْ يُخَالِفْ فِيهِ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ; لِأَنَّ الْقُرْآنَ هُوَ الْمُعْجِزَةُ الدَّالَّةُ عَلَى صِدْقِهِ ﵇ قَطْعًا، وَمَعَ عَدَمِ بُلُوغِهِ إِلَى مَنْ لَمْ يُشَاهِدْهُ بِخَبَرِ التَّوَاتُرِ لَا يَكُونُ حُجَّةً قَاطِعَةً بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ، فَلَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَيْهِ فِي تَصْدِيقِ النَّبِيِّ ﵇ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ بُلُوغِ حُفَّاظِ الْقُرْآنِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ ﵇ عَدَدَ التَّوَاتُرِ أَنْ يَكُونَ الْحُفَّاظُ لِآحَادِ آيَاتِهِ كَذَلِكَ.

(١) سَقَطَ مِنْهُ حَرْفُ: لَا. وَالتَّقْدِيرُ: وَأَمْكَنَ أَلَّا يَكُونَ إِلَخْ. فَإِنَّ الْمَعْنَى وَأَمْكَنَ أَلَّا يَكُونَ قُرْآنًا لِكَوْنِهِ مَذْهَبًا لَهُ.

1 / 161