Le perfectionnement dans les fondements des jugements

Saif al-Din al-Amidi d. 631 AH
149

Le perfectionnement dans les fondements des jugements

الإحكام في أصول الأحكام

Maison d'édition

المكتب الإسلامي

Numéro d'édition

الثانية

Année de publication

١٤٠٢ هـ

Lieu d'édition

(دمشق - بيروت)

إِلَّا عَلَى رَأْيِ مَنْ يَجُوزُ التَّكْلِيفُ بِمَا لَا يُطَاقُ ; لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ التَّكْلِيفِ كَمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى فَهْمِ أَصْلِ الْخِطَابِ، فَهُوَ مُتَوَقِّفٌ عَلَى فَهْمِ تَفَاصِيلِهِ (١) . وَأَمَّا الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ وَإِنْ كَانَ يَفْهَمُ مَا لَا يَفْهَمُهُ غَيْرُ الْمُمَيِّزِ، غَيْرَ أَنَّهُ أَيْضًا غَيْرُ فَاهِمٍ عَلَى الْكَمَالِ مَا يَعْرِفُهُ كَامِلُ الْعَقْلِ مِنْ وُجُودِ اللَّهِ تَعَالَى، وَكَوْنِهِ مُتَكَلِّمًا مُخَاطَبًا مُكَلَّفًا بِالْعِبَادَةِ وَمِنْ وُجُودِ الرَّسُولِ الصَّادِقِ الْمُبَلِّغِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ مَقْصُودُ التَّكْلِيفِ. فَنِسْبَتُهُ إِلَى غَيْرِ الْمُمَيِّزِ كَنِسْبَةِ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ إِلَى الْبَهِيمَةِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِفَوَاتِ شَرْطِ التَّكْلِيفِ وَإِنْ كَانَ مُقَارِبًا لِحَالَةِ الْبُلُوغِ، بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبُلُوغِ سِوَى لَحْظَةٍ وَاحِدَةٍ. فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ فَهْمُهُ كَفَهْمِهِ الْمُوجِبِ لِتَكْلِيفِهِ بَعْدَ لَحْظَةٍ، غَيْرَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْعَقْلُ وَالْفَهْمُ فِيهِ خَفِيًّا، وَظُهُورُهُ فِيهِ عَلَى التَّدْرِيجِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ضَابِطٌ يُعْرَفُ بِهِ، جَعَلَ لَهُ الشَّارِعُ ضَابِطًا وَهُوَ الْبُلُوغُ، وَحَطَّ عَنْهُ التَّكْلِيفَ قَبْلَهُ تَخْفِيفًا عَلَيْهِ. وَدَلِيلُهُ قَوْلُهُ ﵇: " «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ، وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ» " (٢) . فَإِنْ قِيلَ: إِذَا كَانَ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ غَيْرَ مُكَلَّفٍ، فَكَيْفَ وَجَبَتْ عَلَيْهِمَا الزَّكَاةُ وَالنَّفَقَاتُ وَالضَّمَانَاتُ، وَكَيْفَ أُمِرَ الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ بِالصَّلَاةِ؟ قُلْنَا: هَذِهِ الْوَاجِبَاتُ لَيْسَتْ مُتَعَلِّقَةً بِفِعْلِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، بَلْ بِمَالِهِ أَوْ بِذِمَّتِهِ. فَإِنَّهُ أَهَّلٌ لِلذِّمَّةِ بِإِنْسَانِيَّتِهِ الْمُتَهَيِّئِ بِهَا لِقَبُولِ فَهْمِ الْخِطَابِ عِنْدَ الْبُلُوغِ، بِخِلَافِ الْبَهِيمَةِ وَالْمُتَوَلِّي لِأَدَائِهَا الْوَلِيُّ عَنْهُمَا، أَوْ هُمَا بَعْدَ الْإِفَاقَةِ وَالْبُلُوغِ. وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ التَّكْلِيفِ فِي شَيْءٍ. وَأَمَّا الْأَمْرُ بِالصَّلَاةِ الْمُمَيِّزَ فَلَيْسَ مِنْ جِهَةِ الشَّارِعِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ الْوَلِيِّ لِقَوْلِهِ ﵇: " «مُرُوهُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعٍ» " وَ(٣)، ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَعْرِفُ الْوَلِيَّ وَيَفْهَمُ خِطَابَهُ بِخِلَافِ الشَّارِعِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.

(١) مَوْضُوعُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْبَحْثُ فِي التَّكْلِيفِ الْمُحَالِ، وَمَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مِنْ مَسَائِلِ الْمَحْكُومِ فِيهِ الْبَحْثُ فِي التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَاضِحٌ لِمَنْ قَارَنَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ، فَالتَّكْلِيفُ بِالْمُحَالِ يَرْجِعُ إِلَى اسْتِحَالَةِ الْمُكَلَّفِ بِهِ، وَيُسَمَّى التَّكْلِيفَ بِمَا لَا يُطَاقُ، وَالتَّكْلِيفُ الْمُحَالُ يَرْجِعُ إِلَى اسْتِحَالَةِ التَّكْلِيفِ نَفْسِهِ، لِعَدَمِ فَهْمِ الْخِطَابِ الْمُصَحَّحِ لِقَصْدِ مَا كُلِّفَ بِهِ كَتَكْلِيفِ الْمَجْنُونِ وَالْغَافِلِ وَنَحْوِهِمَا. (٢) جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالْحَاكِمُ عَنْ طَرِيقِ عَلِيٍّ، وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. (٣) جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بِلَفْظِ: مُرُوا أَوْلَادَكُمْ. . إِلَخْ.

1 / 151