Le perfectionnement dans les fondements des jugements
الإحكام في أصول الأحكام
Maison d'édition
المكتب الإسلامي
Numéro d'édition
الثانية
Année de publication
١٤٠٢ هـ
Lieu d'édition
(دمشق - بيروت)
Genres
Usul al-fiqh
وَعَنِ الثَّالِثِ: أَنَّ الْآيَةَ إِنَّمَا وَرَدَتْ فِي مَعْرِضِ التَّقْرِيرِ لَهُمْ وَالْحَثِّ عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الدَّعَوَاتِ، فَكَانَ الِاحْتِجَاجُ بِذَلِكَ لَا بِقَوْلِهِمْ.
وَعَنِ الرَّابِعِ: أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ كُلُّ تَكْلِيفٍ عِنْدَنَا تَكْلِيفًا بِمَا لَا يُطَاقُ (١)، غَيْرَ أَنَّهُ يَجِبُ تَنْزِيلُ السُّؤَالِ عَلَى مَا لَا يُطَاقُ، وَهُوَ مَا يَتَعَذَّرُ الْإِتْيَانُ بِهِ مُطْلَقًا فِي عُرْفِهِمْ دُونَ مَا لَا يَتَعَذَّرُ لِمَا فِيهِ مِنْ إِجْرَاءِ اللَّفْظِ عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَمُوَافَقَةُ أَهْلِ الْعُرْفِ فِي عُرْفِهِمْ غَايَتُهُ إِخْرَاجُ مَا لَا يُطَاقُ مِمَّا هُوَ مُسْتَحِيلٌ فِي نَفْسِهِ لِذَاتِهِ مِنْ عُمُومِ الْآيَةِ ; لِمَا ذَكَرْنَا مِنِ اسْتِحَالَةِ التَّكْلِيفِ بِهِ وَامْتِنَاعِ سُؤَالِ الدَّفْعِ لِلتَّكْلِيفِ بِمَا لَا تَكْلِيفَ بِهِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ تَخْصِيصٌ وَالتَّخْصِيصُ أَوْلَى مِنَ التَّأْوِيلِ.
وَعَنِ الْمُعَارَضَةِ بِالْآيَتَيْنِ أَنَّ غَايَتَهُمَا الدَّلَالَةُ عَلَى نَفْيِ وُقُوعِ التَّكْلِيفِ بِمَا لَا يُطَاقُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ نَفْيُ الْجَوَازِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ مِنْ جَانِبِنَا، كَيْفَ وَإِنَّ التَّرْجِيحَ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْآيَةِ لِاعْتِضَادِهَا بِالدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ عَلَى مَا يَأْتِي (٢)، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا خُرُوجَ لَهَا عَنِ الظَّنِّ وَالتَّخْمِينِ.
وَرُبَّمَا احْتَجَّ بَعْضُ الْأَصْحَابِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ﴾ وَهُوَ تَكْلِيفٌ بِالسُّجُودِ مَعَ عَدَمِ الِاسْتِطَاعَةِ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ أَنْ لَوْ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ الدُّعَاءُ فِي الْآخِرَةِ بِمَعْنَى التَّكْلِيفِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ إِنَّمَا هِيَ دَارُ مُجَازَاةٍ لَا دَارُ تَكْلِيفٍ.
وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الْمَعْقُولِ، فَقَدِ احْتَجَّ فِيهِ بَعْضُهُمْ بِحُجَجٍ وَاهِيَةٍ:
الْأُولَى مِنْهَا: هُوَ أَنَّ الْفِعْلَ الْمُكَلَّفَ بِهِ إِنْ كَانَ مَعَ اسْتِوَاءِ دَاعِي الْعَبْدِ إِلَى الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ كَانَ الْفِعْلُ مُمْتَنِعًا لِامْتِنَاعِ حُصُولِ الرُّجْحَانِ مَعَهُ، وَإِنْ كَانَ مَعَ التَّرْجِيحِ لِأَحَدِ الطَّرَفَيْنِ كَانَ الرَّاجِحُ وَاجِبًا وَالْمَرْجُوحُ مُمْتَنِعًا، وَالتَّكْلِيفُ بِهِمَا يَكُونُ مُحَالًا.
الثَّانِيَةُ: أَنَّ الْفِعْلَ الصَّادِرَ مِنَ الْعَبْدِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ مُتَمَكِّنًا مِنْ فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ أَوْ لَا يَكُونُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَمَكِّنًا مِنْهُ فَالتَّكْلِيفُ لَهُ بِالْفِعْلِ يَكُونُ تَكْلِيفًا بِمَا لَا يُطَاقُ، وَإِنْ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْهُ فَإِمَّا أَنْ لَا يَتَوَقَّفَ تَرَجُّحُ فِعْلِهِ عَلَى تَرْكِهِ عَلَى مُرَجِّحٍ
(١) لِأَنَّ الْعَبْدَ عِنْدَهُمْ مَجْبُورٌ بَاطِنًا، مُخْتَارٌ ظَاهِرًا. (٢) سَيَأْتِي التَّعْلِيقُ أَيْضًا عَلَى الدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
1 / 138