109

Le perfectionnement dans les fondements des jugements

الإحكام في أصول الأحكام

Maison d'édition

المكتب الإسلامي

Numéro d'édition

الثانية

Année de publication

١٤٠٢ هـ

Lieu d'édition

(دمشق - بيروت)

وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ وُجُوبُهُ مُطْلَقًا غَيْرَ مَشْرُوطِ الْوُجُوبِ بِذَلِكَ الْغَيْرِ، بَلْ مَشْرُوطُ الْوُقُوعِ فَذَلِكَ هُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ إِنْ كَانَ الشَّرْطُ مَقْدُورًا لِلْمُكَلَّفِ، وَذَلِكَ كَمَا لَوْ وَجَبَتِ الصَّلَاةُ وَتَعَذَّرَ وُقُوعُهَا دُونَ الطَّهَارَةِ، أَوْ وَجَبَ غَسْلُ الْوَجْهِ وَلَمْ يَكُنْ (١) إِلَّا بِغَسْلِ جُزْءٍ مِنَ الرَّأْسِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ. وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الشَّرْطُ مَقْدُورًا لِلْمُكَلَّفِ فَلَا، إِلَّا عَلَى رَأْيِ مَنْ يُجَوِّزُ تَكْلِيفَ مَا لَا يُطَاقُ، وَذَلِكَ كَحُضُورِ الْإِمَامِ الْجُمُعَةِ وَحُصُولِ تَمَامِ الْعَدَدِ فِيهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَقْدُورٍ لِآحَادِ الْمُكَلَّفِينَ. (٢) وَإِذَا تَلَخَّصَ مَحَلُّ النِّزَاعِ، فَنَقُولُ: اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا وَالْمُعْتَزِلَةُ عَلَى أَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ (وَهُوَ مَقْدُورٌ لِلْمُكَلَّفِ) فَهُوَ وَاجِب، خِلَافًا لِبَعْضِ الْأُصُولِيِّينَ. قَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيُّ: وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّ تَحْصِيلَ الشَّرْطِ وَاجِبٌ ; لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجِبْ بَلْ كَانَ تَرْكُهُ مُبَاحًا لَكَانَ الْآمِرُ كَأَنَّهُ قَالَ لِلْمَأْمُورِ: لَكَ مُبَاحٌ أَلَّا تَأْتِيَ بِالشَّرْطِ، وَأُوجِبُ عَلَيْكَ الْفِعْلَ مَعَ عَدَمِ الْإِتْيَانِ بِمَا لَا يَتِمُّ إِلَّا بِهِ، وَذَلِكَ تَكْلِيفٌ بِمَا لَا يُطَاقُ، وَهُوَ مُحَالٌ. وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ ; وَذَلِكَ لِأَنَّ وُجُوبَ الْمَشْرُوطِ إِذَا كَانَ مُطْلَقًا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ إِبَاحَةِ الشَّرْطِ أَنْ يَكُونَ التَّكْلِيفُ بِالْمَشْرُوطِ حَالَةَ عَدَمِ الشَّرْطِ، فَإِنَّ عَدَمَهُ غَيْرُ لَازِمٍ مِنْ إِبَاحَتِهِ، بَلْ حَالَةُ عَدَمِ وُجُوبِ الشَّرْطِ، وَفَرْقٌ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ، فَلَا يَكُونُ التَّكْلِيفُ بِالْمَشْرُوطِ تَكْلِيفًا بِمَا لَا يُطَاقُ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: إِنْ كَانَ التَّكْلِيفُ بِالْمَشْرُوطِ حَالَةَ عَدَمِ الشَّرْطِ مُحَالًا فَالتَّكْلِيفُ بِالْمَشْرُوطِ مَشْرُوطٌ بِوُجُودِ الشَّرْطِ، وَكُلُّ مَا وُجُوبُهُ مَشْرُوطٌ بِشَرْطٍ فَالشَّرْطُ لَا يَكُونُ وَاجِبَ التَّحْصِيلِ لِمَا سَبَقَ وَلَا جَوَابَ عَنْهُ. وَالْأَقْرَبُ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: انْعَقَدَ إِجْمَاعُ الْأُمَّةِ عَلَى إِطْلَاقِ الْقَوْلِ بِوُجُوبِ تَحْصِيلِ مَا أَوْجَبَهُ الشَّارِعُ، وَتَحْصِيلُهُ إِنَّمَا هُوَ بِتَعَاطِي الْأُمُورِ الْمُمْكِنَةِ مِنَ الْإِتْيَانِ بِهِ، فَإِذَا قِيلَ: يَجِبُ التَّحْصِيلُ بِمَا لَا يَكُونُ وَاجِبًا كَانَ مُتَنَاقِضًا. وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمَسْأَلَةُ وَعِرَةٌ، وَالطُّرُقُ ضَيِّقَةٌ، فَلْيُقْنَعْ بِمِثْلِ هَذَا فِي هَذَا الْمَضِيقِ.

(١) صَوَابُهُ: يُمْكِنْ. (٢) فِي الْمِثَالَيْنِ نَظَرٌ، إِذَا كَانَ الْعَدَدُ الْمُعَيَّنُ وَحُضُورُ الْإِمَامِ الْجُمُعَةَ شَرْطًا فِي وُجُوبِهَا وَصِحَّتِهَا، كَدُخُولِ الْوَقْتِ، فَإِنَّهُ لَا وَاجِبَ حِينَئِذٍ حَتَّى يُبْحَثَ عَمَّا لَا يَتِمُّ إِلَّا بِهِ.

1 / 111