Al-Hadith al-Mawdu'i - Madinah University
الحديث الموضوعي - جامعة المدينة
Maison d'édition
جامعة المدينة العالمية
Genres
-[الحديث الموضوعي]-
كود المادة: GHDT٥١٣٣
المرحلة: ماجستير
المؤلف: مناهج جامعة المدينة العالمية
الناشر: جامعة المدينة العالمية
عدد الأجزاء: ١
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
Page inconnue
الدرس: ١ الحديث الموضوعي - إخلاص النية لله تعالى في سائر الأعمال
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الأول
(الحديث الموض وعي - إخلاص النية لله تعالى في سائر الأعمال)
تعريف الحديث الموضوعي، وبيان فوائده
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
تعريف الحديث الموضوعي، وإخلاص النية لله تعالى في سائر الأعمال.
الحديث الموضوعي: هو مصطلح جديد، وهو عبارة عن جمع الأحاديث المتعلقة بالموضوع الواحد في مكانٍ واحدٍ من مصادر الحديث، مع التعليق الخفيف لشرح الكلمات الغامضة، وبيان الفوائد الحديثية، وما يرشد إليه الحديث.
أقول: وأغلب كتب الحديث مؤلفةٌ بطريقة الحديث الموضوعي، فأغلبها كتب، وأبواب لهذه الكتب، تدور حول موضوع واحد؛ فمثلًا صحيح البخاري يحتوي على كتاب بدء الوحي، وكتاب العلم، وكتاب الإيمان، وهكذا، وتحت كل كتاب أبواب في نفس الموضوع، وهكذا (صحيح مسلم) و(سنن أبي داود (و(سنن الترمذي) وغير ذلك من كتب الحديث، ويتميز (صحيح مسلم) بأنه يجمع كل طرق الحديث في مكان واحد، ثم إن هناك كتب مؤلفة بحسب مرويات كل راوٍ دون التعلق بموضوع الحديث، مثل: (مسند الإمام أحمد) و(المعاجم الثلاثة) للإمام الطبراني وغير ذلك.
وهناك كتب ترتب الأحاديث ترتيبًا أبجديًّا، بحسب الحرف الأول، والثاني والثالث للكلمة الأولى من الحديث، مثل كتاب: (الجامع الصغير) للسيوطي و(الجامع الكبير) له أيضًا المعروف بـ (جمع الجوامع) وكتاب (كنوز الحقائق في أحاديث خير الخلائق) ﷺ لعبد الرءوف المناوي.
و(الجامع الأزهر في أحاديث النبي الأنور ﷺ) له أيضًا، وكتاب (المقاصد الحسنة في الأحاديث المشتهرة) للإمام السخاوي. و(تمييز الطيب من الخبيث فيما يدور
1 / 9
على ألسنة الناس من الحديث) لابن الديبع الشيباني، و(كشف الخفاء ومزيل الإلباس فيما يدور من الحديث على ألسنة الناس) للعجلوني، وغير ذلك؛ فيقوم من يهتم بالحديث الموضوعي بجمع الأحاديث المتعلقة بالموضوع الواحد من كل هذه المصادر المتنوعة حتى يخرج موضوعه كاملًا، وهذا كتاب عظيم يدور كله حول الحديث الموضوعي، ألا وهو كتاب (جامع الأصول في أحاديث الرسول ﷺ) لابن الأثير؛ حيث جمع مؤلفه تحت كل باب ما يوجد من أحاديث في نفس الموضوع، في الكتب الخمسة. و(موطأ الإمام) مالك -رحمه الله تعالى.
والمراد بالكتب الخمسة (الجامع الصحيح) للإمام البخاري و(صحيح الإمام مسلم) و(سنن الترمذي) و(سنن أبي داود) و(سنن النسائي) وهو كتاب حافل، وسفر عظيم يعتبر من أهم المراجع، والمصادر للحديث الموضوعي وجاء الإمام ابن حجر العسقلاني؛ فألف كتابًا يجمع الأحاديث المتعلقة بالموضوع الواحد في مكان واحد أسماه (المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية) والمراد بالمسانيد الثمانية: هي (مسند الطيالسي) و(مسند الحميدي) و(مسند ابن أبي عمر) و(مسند مسدد) و(مسند ابن منيع) و(مسند ابن أبي شيبة) و(مسند عبد بن حميد) و(مسند ابن أبي أسامة) وأضاف إليه (مسند أبي يعلى) روايته المطولة. و(مسند إسحاق بن راهويه) من نصفه الذي وقف عليه استخرج الأحاديث الزوائد في هذه المسانيد على باقي الكتب الستة.
ويضاف للستة بعد النسائي، ابن ماجه، و(مسند الإمام أحمد) ورتبها حسب الموضوعات فهو من أجمل الكتب وأحسنها في الحديث الموضوعي، ولقد حقق كتاب (المطالب العالية) هذا الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي، وكتب كلمة طيبة في المقدمة حول هذا الكتاب، ومحاولات العلماء الدائمة؛ لجمع أكبر عدد من
1 / 10
أحاديث المصطفى ﷺ ووضع كل مجموعة متماثلة في موضوع واحد؛ وذلك حيث يقول موضوع الكتاب، أي: (كتاب المطالب العالية) يقول تحت عنوان موضوع الكتاب: لم تنقطع محاولات تجميع السنة على صعيد واحد في مصنفات مستوعبة بعد أن انتهت عهود الرواية. والتدوين الأساسي في جوامع ومصنفات، وسنن، ومسانيد.
ومن القديم في ذلك ما قصده الحميدي حين ألف كتابه (الجامع بين الصحيحين) وغيره كثير إلى أن صنف ابن الأثير كتابه الذي ذكرناه آنفًا (جامع الأصول) على آثار كتاب سابقه رزيل العبدري، وهو يمثل الحلقة الأولى في تجميع كتب السنة على صورة تجريد الأسانيد، ومقارنة الروايات، ولم يكن شيء أولى بالبدء به من أحاديث الكتب الستة التي هي (الصحيحان) أي (صحيح البخاري) و(صحيح مسلم) و(سنن أبي داود) و(سنن الترمذي) و(سنن النسائي) و(سنن ابن ماجه) لكن (جامع الأصول) سدس بـ (الموطأ) أي: جعل الكتاب السادس في الكتب الستة (الموطأ) بدلًا من ابن ماجه، ثم تلاه أي: تلى ابن الأثير الحافظ نور الدين الهيثمي بتصنيف كتابه (مجمع الزوائد) مبتغيًا من تأليفه إضافة حلقة أوسع أحاطت بستة كتب أخرى هي: (معاجم الطبراني) الثلاثة، و(مسند الإمام أحمد بن حنبل) و(مسند أبي يعلى) و(مسند البزار) وهي عدا (المعجم الصغير) للطبراني تمثل أهم الأسانيد، واتجهت الأنظار بعدئذ إلى توسيع حلقة المسانيد باستيعاب أكبر عدد ممكن منها.
ولا ريب أن اختيار المسانيد للتجميع، والإحاطة كان أمرًا موفقًا؛ لأن المسند يراد به جمع أحاديث كل الصحابة بالنسبة إلى مؤلفه؛ فإذا قرنت المسانيد ببعضها حصلت الإحاطة المبتغاة فالحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- وضع كتابه لذلك
1 / 11
الغرض كما يعرف من مقدمته حيث يقول فرأيت جمع جميع ما وقفت عليه من ذلك في كتاب واحد ليسهل الكشف منه على أولي الرغبات ثم عدلت إلى جمع الأحاديث الزائدة على الكتب المشهورات في الكتب المستندات فموضوع كتابه أنه استعرض أحاديث ثمانية مسانيد كاملة هي (مسانيد الطيالسي) و(الحميدي) و(ابن أبي عمر) و(مسدد) و(ابن منيع) و(ابن أبي شيبة) و(عبد بن حميد) و(ابن أبي أسامة) وأضاف إليها -كما قلنا- سابقًا من (مسند أبي يعلى) بروايته المطولة. و(مسند إسحاق بن راهويه) من نصفه الذي وقف عليه فاستخرج الأحاديث الزوائد فيها على ما في الكتب الستة، و(مسند الإمام أحمد)، ثم رتب تلك الأحاديث على ترتيب الأبواب الفقهية خلافًا لترتيب المسانيد المستمد منها هذا الكتاب.
ثم قال حبيب الرحمن الأعظمي تحت عنوان أهمية الكتاب قال: كتاب (المطالب) أغنى ما ألف من كتب السنة ثروة، وأغزرها فائدةً لاحتوائه على زوائد تلك المسانيد الثمانية تمامًا، وعلى كثيرٍ من زوائد مسندين آخرين؛ ولجمعه في مكانٍ واحد على الترتيب الفقهي ما كان مبددًا في ثمانية أمكنة، بل في عشرة من غير مراعاة لهذ الترتيب، ولاشتماله في كثيرٍ من المواضع على بيانِ درجة الحديث من الصحة، والضعف، والاتصال، والانقطاع.
وتحدث بعد ذلك حبيب الرحمن الأعظمي في مقدمته أيضًا عن كتاب شبيه بكتاب (المطالب العالية) لابن أبي حجر العسقلاني، وهو للبوصيري تلميذ ابن حجر فقال تحت عنوان: كتابٌ شبيهٌ للمطالب لكتاب المطالب نظير له يماثله في الغرض، ويضارعه في المنهج هو كتاب الحافظ شهاب الدين البوصيري، أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل بن سليم، المتوفى سنة ٨٤٠ هـ وهو غير البوصيري
1 / 12
الشاعر صاحب البردة وقد سماه: (إتحاف السادة المهرة بزوائد المسانيد العشرة)، ألفه مشتملًا على الأسانيد ثم جرده وسماه (مختصر إتحاف المهرة بزوائد المسانيد العشرة) فرغ من الإتحاف في أواخر ٨٢٣ هـ ثم أتم اختصاره في رجب ٣٢ هـ. وجمع فيه زوائد الكتب نفسها التي التزمها ابن حجر؛ فهو مماثل لكتاب (المطالب) في الاستمداد رغم اختلاف العد في التسمية، وقد تساهل السخاوي في الضوء في اعتباره (مسند أحمد) زائدًا على شرطه ويلحظ في الإتحاف الإكثار من بيان درجة الأحاديث.
أما ابن حجر فذلك فيه قليل بالنسبة لـ (لإتحاف) فالكتابان تقريبًا من مشكاة واحدة، وكتبا في عصر واحد؛ لأن البوصيري تتلمذ على ابن حجر كما اشترك في الأخذ عن الحافظ العراقي، ويظن أن البوصيري اطلع على المطالب، ونقل منه دون عزو، ومن هنا نعرف أن الحديث الموضوعي باعتباره جمع الأحاديث المتعلقة بالموضوع الواحد في مكانٍ واحدٍ هدف قديم، حاوله كثير من العلماء؛ وذلك لأهمية هذا النوع من علم الحديث الشريف.
أقول: والحديث الموضوعي أيضًا منه ما يدور حول حديثٍ واحد به عدة قضايا، أو عدة أمور؛ فيتناول الباحث القضايا التي جاءت في هذا الحديث الواحد، ويقوم بجمع الآيات القرآنية، والأحاديث المتعلقة بكل قضيةٍ على حدة؛ فمثلًا حديث سؤال جبريل للنبي ﷺ عن الإسلام، والإيمان، والإحسان، والساعة، وعلاماتها فيه قضايا كثيرة يتناولها الباحث يتناول مثلًا قضية الإسلام، وقضية الإيمان، وقضية الإحسان وقضية الساعة، وقضية علامات الساعة، وقضية هل الملك يرى أو لا يرى وكيف يرى وهل يرى على حقيقته أم لا، ثم يتعرض للملائكة من ناحية خلقهم، ومهماتهم الوظيفية التي خلقهم الله ﷾ من أجلها هذا النوع أيضًا يعتبر
1 / 13
لون من ألوان الحديث الموضوعي الذي نقوم بإعداد هذه المادة الدراسية له في هذا المنهج المقرر بإذن الله تعالى.
فوائد الحديث الموضوعي:
للحديث الموضوعي فوائد عظيمة؛ بحيث لا يستغني باحثٌ في علم الحديث عن معرفة هذا العلم من أهمها:
أولًا: جمع الأحاديث المتعلقة بموضوع واحد في مكان واحد، وهذا يفيد من يكتب في موضوع ما فائدة كبيرة حيث يجد كل ما يحتاجه مجموعًا بعضه إلى بعض في مكان واحد فيتيسر عليه الأمر.
ثانيًا: معرفة طرق الحديث ومعلوم أن طرق الحديث، كلما زادت أعطت فوائد كثيرة منها تقوية الحديث بتعدد الطرق.
ثالثًا: وفي تعدد الطرق زيادات في السند، وفي المتن، وهذه الزيادات لها فوائد حديثية في السند، وفي المتن؛ إذ الزيادة من الثقة مقبولة فقد تعطي الزيادة أحكامًا فقهية نأخذ بها، ونلزم بها ما دامت جاءت من طريق الثقة.
رابعًا: جمع الأحاديث كلها أو أغلبها في مكان واحد يسهل على الباحث أن يقف على الحديث الصحيح من غير الصحيح.
خامسًا: سهولة البحث عن الحديث المعروف موضوعه وعنوانه، يعني عندما يعرف الموضوع الفقهي للحديث؛ يسهل الحصول عليه من هذه الكتب التي ألفت بطريق الحديث الموضوعي.
سادسًا: إثارة قضايا حديثية في الحديث الواحد، ثم نتناولها قضية قضية بالأدلة الحديثية والآيات القرآنية.
1 / 14
هذه بعض فوائد دراسة مادة الحديث الموضوعي، فهي مادة مهمة ولا يستغني عنها باحث له صلة بعلم الحديث الشريف.
إخلاص النية لله تعالى في سائر الأعمال
نشرع الآن فيما يتعلق بإخلاص النية لله تعالى في سائر الأعمال؛ فنقوم بجمع الأحاديث المتعلقة بالإخلاص في موضعٍ واحد.
أقول: أهم هذه الأحاديث، -وإن كانت كلها مهمة لا يستغنى عن واحد منها- الحديث الأول روى الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- بسنده عن عمر بن الخطاب ﵁ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه».
ولأهمية هذا الحديث ومكانته نبدأ به، كما بدأ به الإمام البخاري في كتابه الصحيح أقول: تكلم العلماء كثيرًا عن مكانة هذا الحديث وتناولوه بالشرح والتفصيل، وبينوا أنه واحدٌ من أربعةِ أحاديث هي عمدة الدين، وأنها تكفي المسلم في حياته الدنيوية، وتنجيه يوم القيامة.
وليس البخاري وحده هو الذي بدأ بهذا الحديث كتابه بل أكثر علماء الحديث وأئمته، وأصحاب الكتب الأصيلة المؤلفة في جمع السنة بدأوا كتبهم أيضًا بهذا الحديث، كما صنع البخاري.
وهو حديث في غاية الأهمية إذ ترى الهجرة، وهي أفضل عمل قام به من أسلم بعد كلمة التوحيد ترد هذه الهجرة على من لم يُرِدْ بها وجه الله تعالى، ويقضي رسول الله ﷺ بأنها هجرة مذمومة، مردودة على صاحبها، وغير مقبولة عند الله
1 / 15
تعالى؛ لأن الحق ﷾ لا يقبل من الأعمال إلا ما أُريد به وجهه؛ إذ جاء في الحديث الصحيح الذي يرويه رسول الله ﷺ عن رب العزة أنه قال: «أنا أغنى الشركاء عن الشرك؛ فمن عمل عملًا، وأشرك فيه معي غيري تركته وشريكه» رواه الإمام مسلم في (صحيحه).
إن الله ﷾ لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصًا لوجهه رواه مسلم في صحيحه بسنده عن أبي هريرة- ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ «إن الله لا ينظر إلى أجسادكم، ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم» وأخرجه أيضًا بلفظ: «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأقوالكم» وأخرجه أيضًا بلفظ: «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم».
علق عليه الشيخ شعيب الأرناءوط محقق (رياض الصالحين) بقوله: وهذا الحديث يدل على أن الإنسان محاسب، ومسئول عن نيتِهِ وعمله؛ فينبغي أن تكون نيتُهُ خالصةً لوجه الله تعالى، وعمله وفق ما جاء عن الله تعالى، وصح عن رسوله ﷺ.
ومن هنا لكي يقبل الله تعالى العمل يشترط فيه أن يكون عملًا صالحًا ومفيدًا وطيبًا، ويكون وفق ما جاء به الشرع الكريم، وأن يؤدى بالكيفية التي شرعها الله ورسوله، وأن يراد به وجه الله تعالى؛ إذا سقط ركن أو شرط من هذه الأركان أو هذه الشروط؛ رد العمل ولا يقبله الله تعالى.
وعن أبي عبد الله جابر بن عبد الله الأنصاري ﵄ قال: كنا مع النبي ﷺ في غزاة، أي: غزوة. فقال: «إن بالمدينة لرجالًا ما سرْتُم مسيرًا، ولا قطعتم، واديًا إلا كانوا معكم حبسهم المرض» وفي رواية: «إلًّا شركوكم في الأجر» رواه مسلم، برقم ١٩١١ ورواه البخاري عن أنس ﵁ قال: رجعنا من غزوة تبوك
1 / 16
مع النبي ﷺ فقال: «إن أقوامًا خلفنا بالمدينة؛ ما سلكنا شعبًا، ولا واديًا إلا وهم معنا حبسهم العذر» رواه البخاري في المجلد الثامن في صفحة ٩٦.
الشِّعْبُ: الطريق في الجبل، والوادي الموضع الذي يسيل فيه الماء؛ فهذا الحديث يبين أهمية النية، ومكانة الإخلاص لله تعالى؛ إذ بينَ ﷺ أن أناسًا ما شاركوا في الغزو، ولكن كتب لهم أجر الجهاد وكأنهم مع المجاهدين خطوةً بخطوةٍ في كل شعب، وفي كل وادي؛ وذلك لإخلاصهم لله تعالى؛ إذ لم يمنعهم، ويحبسهم عن الجهاد إلا العذر فهم صادقين في النية مع الله تعالى.
وهذا ما جاء في قوله تعالى في سورة التوبة قال تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ﴾ (التوبة: ٩١، ٩٢) وقال تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾ (البينة: ٥) وقال تعالى: ﴿لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ﴾ وقال تعالى: ﴿قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾ (آل عمران: ٢٩، ٣٠).
وقال تعالى في أول سورة الزمر: ﴿تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنْ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدْ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ﴾ (الزمر: ١، ٢، ٣) وقال تعالى في سورة الزمر أيضًا: ﴿قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ * قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ *
1 / 17
قُلْ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي * فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾ (الزمر: ١١: ١٥) وقال تعالى في سورة الأنعام: ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ * قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ * قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ * قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ (الأنعام: ١٦٠: ١٦٤).
هذه الآيات الكريمات دعت إلى الإخلاص، والعمل لله وحده وبينت أن أي عمل لا يبتغى به وجه الله فهو غير خالص لله فيرد على صاحبه ولا يقبله الله تعالى؛ وبذلك التقت الآيات الكريمة مع الأحاديث الشريفة، إذ كلها من مشكاة الوحي الإلهي والنور السماوي الذي يجب أن يتخلق به الخلق، ويتحلى به المسلم والمؤمن حتى يكون عمله مقبولا عند الله تعالى وينفعه في دنياه وفي آخرته ومما يدل على أن الإخلاص في العمل، وابتغاء وجه الله تعالى هو الذي يجعل العمل مقبولًا، بل هو يصير العادة عبادة حتى في أمتع اللحظات عندما يجلس الرجل مع زوجته يداعبها، وتداعبه، ويطعمها بيده، وتطعمه، ويضع اللقمة في فمها إذا ابتغى بذلك وجه الله تعالى؛ كان ذلك العمل عبادة؛ وأجر عليه من الحق ﷾.
روى البخاري ومسلم في (صحيحيهما) بسندهما عن أبي إسحاق سعد بن أبي وقاص مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي القرشي الزهري ﵁ أحد العشرة المبشرين بالجنة ﵃ قال: «جاءني رسول الله ﷺ يعودني عام حجة الوداع من وجعٍ اشتدَّ بي، فقلتُ: يا رسول الله، إني قد بلغ بي من الوجع ما ترى، وأنا ذو مالٍ، ولا يرثني إلا ابنةٌ لِي، أفأتصدق بثلثي مالي؟
1 / 18
قال: لا؟ قلت: فالشطر يا رسول الله؟ يعني: أتصدق بالنصف فقال: لا، قلت: فالثلث يا رسول الله؟ قال: الثلث، والثلث كثير، أو كبير؛ إنك إن تذر، ورثتك أغنياء خيرٌ من أن تذرهم عالةً يتكففون الناس يعني يسألون الناس، وإنك لن تنفق نفقةٌ تبتغي بها وجه الله إلا أُجِرْتَ عليها، حتى ما تجعل في فم امرأتك، قلت: يا رسول الله، أُخَلَّف بعد أصحابي، قال: إنك لن تُخَلَّفَ فتعمل عملًا تبتغي به وجه الله إلا ازددت به درجة ورفعة، ولعلك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوام، ويضر بك آخرون، اللهم امضِ لأصحابي هجرتهم، ولا تردَّهُم على أعقابهم، لكن البائس سعد بن خولة يرثي له رسول الله ﷺ أن مات بمكة» الحديث متفق عليه.
قال الحافظ ابن حجر في (فتح الباري) عند تعليقه على هذا الحديث: وكانوا يكرهون الإقامة في الأرض التي هاجروا منها، وتركوها يحبونها لله تعالى ويكرهون الإقامة فيها؛ لأنهم هاجروا منها، وأنها طردتهم، وطردت رسول الله ﷺ فمن ثم خشي سعد بن أبي وقاص أن يموت بمكة فتوجَّعَ، وشكى إلى رسول الله ﷺ وتوجع رسول الله ﷺ أي: رثى لسعد بن خولة؛ لكونه مات بمكة، وكان لا يحب سعد بن خولة أن يموت بها.
وفي الحديث دليل لجماهير العلماء على أن الوصية لا تجوز بأكثر من الثلث، وقوله: يرثي له رسول الله ﷺ أن مات بمكة هو من كلام الإمام الزهري، وهذا حديث آخر في الجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام؛ إذ المسلم يقدم عليه مقدمًا نفسه فداء لدينه يقدم على أعداء الدين بنفسه يحارب ويقاتل؛ فإن لم يكن هذا القتال، وهذا الإقدام خالصًا لله تعالى رد على صاحبه فالرجل الذي يقاتل حمية، أي: أنفة وعزة وغيرة لقومه لا يقبل جهاده؛ لأنه ليس في سبيل الله،
1 / 19
والذي يقاتل رياء وسمعة ليقال له وعنه: إنه مقاتل، وبطل، وشجاع لا يقبل جهاده حتى ولو قتل؛ لأنه لم يقتل في سبيل الله.
أما الذي يقاتل لإعلاء كلمة الله ورفعة شأن الإسلام والمسلمين هذا فقط هو الذي يكون جهاده ل، وقتاله في سبيل الله.
روى البخاري ومسلم بسندهما في صحيحهما عن أبي موسى الأشعري ﵁ قال: «سئل رسول الله ﷺ عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء، أي: ذلك في سبيل الله فقال رسول الله ﷺ من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله» متفق عليه.
ولقد جاء في الحديث الصحيح أن النار أول ما تصعر يوم القيامة تصعر بثلاثة أصناف هم في الظاهر من أجمل الذين اتصفوا بأفضل أوصاف في هذا الدين الحنيف؛ إذ هم عالم، وجواد يعني كريم وشهيد، لكن العالم لم يبتغي بعلمه وجه الله، وإنما أراد أن يمدحه الناس، ويثنوا عليه وعلى علمه، وتم له ما أراد، والثاني كان يطعم الطعام حتى يقال عنه وله: إنه كريم معطاء؛ إنه يطعم الطعام، وقد تم له ما أراد، قال الناس عنه ذلك.
وأما الثالث: فإنه يحارب ويقاتل، ويجول، ويصول في الميدان ابتغاء السمعة وطلب الجاه وليقال عنه وله: إنه بطل وشجاع، وقد تم له ما أراد فأخذ حظه ونصيبه وثوابه الذي عمل من أجله فهو لم يعمل لوجه الله وإنما عمل لغرض آخر ليقال عنه وله ما يريد. وقيل فيه ما أراد فماذا يطلب من الله تعالى قال ﷺ «أول ما تسعر النار يوم القيامة بثلاثة: بعالم، وجواد، وشهيد، يؤتى بالعالم؛ فيسأله ربه، ماذا عملت في ما تعلمت؟ فيقول: يا رب تعلمت العلم فيك، وبذلته فيك، فيقال له: كذبت، إنما تعلمت من أجل أن يقال لك: عالم، وقد
1 / 20
قيل؛ اذهبوا به إلى النار، ثم يؤتى بالجواد أي: الرجل الكريم الذي كان يطعم الطعام، لكنه كان يطعم لغير الله، فيقال له: وأنت ماذا عملت؟ فيقول: يا ربي أطعمت فيك الطعام، فيقال له: كذبت، إنما أطعمت الطعام من أجل أن يقال لك كريم، وقد قيل؛ اذهبوا به إلى النار ثم يؤتى بالشهيد الذي قتل في الميدان، على أرض الحرب، لكنه لم يرد بقتاله وجه الله، فيقال له: وأنت ماذا عملت؟ فيقول: يا رب، قاتلت فيك حتى قتلت، فيقال له: كذبت، وإنما قاتلت من أجل أن يقال لك: بطل وشجاع، وقد قيل؛ اذهبوا به إلى النار».
أقول هذا الحديث رواه الإمام مسلم بمعناه، ورواه الإمام الترمذي الإمام مسلم رواه في رقم ١٩٠٥ والترمذي رواه في رقم ٢٣٨٣ والنسائي رواه في الجزء السادس ص٢٣ وص٢٤ أقول: هذا هو العدل الكامل؛ إذ أن ذلك الصنف، أو أولئك الأصناف عملت لغير الله؛ فلتأخذ أجرها ممن عملت له؛ إذ لا يصح، ولا يعقل ألا تعمل لأحد شيئًا، ثم تذهب فتطالبه على ما لم تعمل له، وإنما خذ أجرك ممن عملت له، كما جاء في بعض الأحاديث التي جاءت في هذا المعنى عن الذين يعملون لغير الله أن الحق ﷾ يقول لهم يوم القيامة: اذهب؛ فخذ أجرك ممن عملت له، هذا هو العدل الإلهي يوم القيامة.
ومما يدل أيضًا على أن الإخلاص في النية لله تعالى: هو الأصل في كل شيء هو الأصل في قبول الأعمال، وعدم قبولها، إن العبد إذا هم بحسنة أي هم أن يعمل حسنة فلم توافه الظروف، ولم تساعده الأحوال على أن يقوم بهذه الحسنة فيعملها فإن الله ﷾ تكرمًا منه وتعطفًا يكتب له أجر حسنة كاملة؛ مع أنه لم يعملها؛ كأنه عملها ما دامت نيته صادقة وخالصة لله تعالى، وإن وفق إلى عملها مع هذه النية الطيبة الخالصة كتبها الله تعالى له عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف
1 / 21
إلى أضعاف كثيرة ما دامت هذه نيته، وأنه ابتغى بعمله هذا وجه الله تعالى وكان مخلصًا في نيته.
ومن فضل الله تعالى على عباده أن من هم بسيئة فلم يعملها، كتبها الله تعالى له حسنة كاملة، وإن همَّ بسيئة فعملها كتبها الله تعالى له سيئة واحدة ما لم يتب، أو يستغفر، هذا عطاء الله، وهذا فضله، وهذه معاملته لعباده، يعاملهم بنياتهم، وهو ﷾ أعلم بنياتهم، وبما تنطوي عليه نفوسهم وقلوبهم.
روى الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- ومسلم -رحمه الله تعالى- بسندهما في (صحيحهما) عن أبي العباس عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ﵄ عن رسول الله ﷺ فيما يروي عن ربه ﵎ قال: «إن الله تعالى كتب الحسنات والسيئات، ثم بين ذلك، فمن هم بحسنة فلم يعملها؛ كتبها الله ﵎ عنده حسنة كاملة، وإن هم بها فعملها كتبها الله عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، وإن هم بسيئة فلم يعملها؛ كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن هم بها فعملها كتبها الله تعالى سيئة واحدة» الحديث متفق عليه.
رواه البخاري في الجزء الحادي عشر ص ٢٧٧ وص٢٧٩ ومسلم حديث برقم ١٣١ وحتى يعلم المسلم أن المدار عند الله تعالى عند النية أن المسلمين إذا التقيا بسيفيهما فقتل أحدهما الآخر؛ أدخل الله ﷾ القاتل والمقتول النار؛ لأن النبي ﷺ بيَّنَ أن المقتول كان حريصًا على قتل أخيه الصحابة لما أخبروا أولًا بأن الله ﷾ يدخل القاتل والمقتول في النار استغربوا، فقال بعضهم: يا رسول الله، هذا هو القاتل، فما بال المقتول لِمَ يدخل النار؛ فبين ﷺ أن السبب في ذلك أن المقتول كان حريصًا على قتل صاحبه.
1 / 22
فهذا المقتول نيته متوجهة لقتل من قتله، فلو أتيحت له الفرصة، وتمكن من قتل الآخر لقتله؛ من هنا أدخل الله تعالى القاتل والمقتول في النار
روى البخاري ومسلم بسندهما في صحيحهما عن أبي بكرة نفيع بن الحارث الثقفي ﵁ أن النبي ﷺ قال: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما؛ فالقاتل والمقتول في النار، قلت: يا رسول الله هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال ﵊: إنه كان حريصًا على قتل صاحبه» نقل ابن حجر في (الفتح) أن الخطابي قال: هذا الوعيد لمن قاتل على عداوة دنيوية، أو طلب ملكًا مثلًا، فأما من قاتل أهل البغي، أو دفع الصائل، يعني: المعتدي؛ فَقُتِلَ؛ فلا يدخل في هذا الوعيد، لأنه مأذون له في القتال.
والحديث دليل على عقوبة من عزم على معصية بقلبه، ووطن نفسه عليها، فالمدار في الإسلام على نية المرء، والله ﷾ يحاسب العباد، ويعطيهم، ويمنعهم، ويدخلهم جنته، أو ناره بحسب نيته التي لا يعلمها غيره ﷾ وها هي الصلاة التي هي عمود الدين عندما يخرج الرجل من بيته لا يريد إلا الصلاة، ويكون مخلصًا في ذلك لله حتى يصل إلى المسجد؛ فيصلي ما شاء، ويجلس في انتظار الصلاة مخلصًا لله لا يحبسه في مجلسه أو في مسجده إلا الصلاة، أي: انتظارها ما دامت هذه نيته؛ فإن الملائكة تستغفر له، وتدعو له بالرحمة، والمغفرة ما دام في مصلاه الذي يصلي فيه؛ بشرط ألا يحدث، يعني: لا يبطل وضوءه، أو يؤذي أحدًا من خلق الله أخبر بذلك النبي ﷺ.
أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في بيته، وصلاته في سوقه بضعًا وعشرين
1 / 23
درجة» البضع هو العدد من الثلاثة إلى العشرة بفتح الباء، وكسرها بُضع، وبَضع. أما البُضع بضم الباء فهو موطن العورة في المرأة، وفي الرجل ....
الحديث: قال ﷺ: «صلاة الرجل في جماعته تزيد على صلاته في بيته وصلاته في سوقه بضعًا وعشرين درجة» وذلك أن أحدهم إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى المسجد لا ينهزه -أي: لا يدفعه إلا الصلاة لا يريد إلا الصلاة- لم يخطُ خطوةً إلا رفع له بها درجة، وحط عنه بها خطيئة حتى يدخل المسجد؛ فإذا دخل المسجد كان في الصلاة ما كانت الصلاة هي تحبسه، والملائكة يصلون على أحدكم ما دام في مجلسه الذي يصلي فيه يقولون: اللهم ارحمه، اللهم اغفر له، اللهم تب عليه ما لم يؤذ فيه، ما لم يحدث فيه» متفق عليه، واللفظ لمسلم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
1 / 24
الدرس: ٢ تابع: إخلاص النية لله تعالى في سائر الأعمال
1 / 25
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الثاني
(تابع: إخلاص النية لله تعالى في سائر الأعمال)
تتمة الحديث عن إخلاص النية لله تعالى في سائر الأعمال
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
تناولنا بعض الأحاديث المتعلقة بإخلاص النية لله تعالى، وقلنا: إن المدار كله في الإسلام قائم على إخلاص النية لله تعالى، وها نحن نكمل ما بدأناه:
فإن النية عندما تكون خالصة لله تعالى تكون سببًا في نجاة العبد من المهالك؛ فالذي يعمل، ولا يقصد إلا وجه الله ينجيه الحق ﷾ ويجعل له من كل هم فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، وها هم ثلاثة نفر انطلقوا فألجأهم الليل إلى مبيت في غار في جبل؛ فلما دخلوا الغار سقطت صخرة على باب الغار، أو على فم الغار فأغلقته، والصخرة كبيرة، وتيقن أولئك النفر أنهم هالكون، كيف يزحزحون الصخرة الكبيرة عن فم الغار وهم في داخل الغار؟ وفكروا في الأمر.
وأخيرًا هداهم الله تعالى إلى أنهم لن ينجيهم مما هم فيه إلا اللجوء إلى الله وحده، والدعاء إليه، والتضرع بخالص الأعمال، عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب ﵁ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «انطلق ثلاثةُ نفرٍ ممن كان قبلكم حتى أواهم المبيت إلى غار فدخلوه، فانحدرت صخرةٌ من الجبل، فسدت عليهم الغار، فقالوا: إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعو الله بصالح أعمالكم، قال رجل منهم: اللهم إنه كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت لا أغبق قبلهما أهلًا ولا مالًا والغبوق هو الشرب بالعشي يقول: فنأى بي طلب الشجر فلم أرح عليهما حتى ناما فحلبت لها غبوقهما فوجدتهما نائمين فكرهت أن أوقظهما وأن أغبق قبلهما أهلًا أو مالًا فلبثت، والقدح على يدي أنتظر استيقاظهما حتى برق الفجر، والصبية يتضاغون، أي يبكون من الجوع عند قدمي، فاستيقظا فشربا غبوقهما، يقول اللهم: إن كنت فعلتُ ذلك ابتغاء وجهك؛ ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة فانفرجت شيئًا لا يستطيعون الخروج منه، وقال الآخر اللهم: إنه كانت لي ابنة عم كانت أحبَّ الناس إلي».
1 / 27
وفي رواية: «كنت أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء فراودتها عن نفسها فامتنعت مني حتى ألمت يعني نزلت بها سنة من السنين، يعني: جدب وفقر في سنة من السنين؛ فجاءتني فأعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تخلي بيني وبين نفسها ففعلت حتى إذا قدرت عليها».
وفي رواية: «فلما قعدت منها قالت: اتق الله، ولا تفض الخاتم إلا بحقه؛ فانصرفتُ عنها، وهي أحب الناس إلي، وتركت الذهب الذي أعطيتها، اللهم إن كنت فعلتُ ذلك ابتغاءَ وجهك؛ فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها. وقال: الثالث اللهم إني استأجرت أجراء وأعطيتهم أجرهم غير رجل واحد ترك الذي له وذهب فثمرت أجره يعني نميته حتى كثرت منه الأموال فجاء بعد حين فقال: يا عبد الله أد إلي أجري فقلت كل ما ترى من أجرك من الإبل والبقر والغنم والرقيق، فقال: يا عبد الله لا تستهزئ بي، فقلت: لا أستهزئ بك؛ فأخذه كله فاستاقه، فلم يترك منه شيئًا، اللهم: إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجنك فافرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون» الحديث متفق عليه في البخاري في الجزء الرابع ص ٣٤٠، و٣٦٩ وفي الجزء الخامس ص١٢ وفي الجزء السادس في ص٣٦٧ وفي الجزء العاشر في ص٣٣٨ وفي صحيح مسلم الحديث برقم الحديث برقم ٢٤٧٣.
قال الشيخ شعيب الأرناءوط معلقًا على هذا الحديث في هامش (رياض الصالحين) الذي حقق نصوصه، وخرج أحاديثه، وعلق عليه قال: وفي الحديث مشروعية الدعاء عند الكرب، أو عند الكرب، والتوسل إلى الله تعالى بالعمل الصالح، وفضل بر الوالدين، وخدمتهما، وإيثارهما على من سواهما من الولد
1 / 28