Les fruits délicieux des sermons sur le podium
الفواكه الشهية في الخطب المنبرية والخطب المنبرية على المناسبات
Maison d'édition
الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
Numéro d'édition
الأولى
Année de publication
١٤١٢هـ - ١٩٩١م
Genres
[أولا الفواكه الشهية في الخطب المنبرية]
[خطبة في الحث على التقوى وبيان حدها وفوائدها]
الفواكه الشهية في الخطب المنبرية
والخطب المنبرية على المناسبات
Page inconnue
أولا
الفواكه الشهية في الخطب المنبرية تأليف علامة القصيم المحقق الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي من أفاضل علماء عنيزة
﵀
1 / 5
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على نعمه، وأشهد أنه الله الذي لا إله إلا هو، وأن محمدا عبده ورسوله. وبعد:
فهذه خطب استجدت بعد ما جمعنا الخطب السابقة ونشرناها، أحببنا جمعها ونشرها؛ لتعم الفائدة، ولو كانت في موضوع واحد أو مواضيع متقاربة اكتفينا بالخُطب الأُوَل؛ لما فيها - ولله الحمد - من حصول المقصود، ولكن هذه الخطب كالأُوَل، جمعت بين الوعظ والتعليم، والتوجيهات للمنافع ودفع المضار الدينية والدنيوية، بأساليب متنوعة، والتفصيلات المضطر إليها كما ستراه.
ونسأله تعالى أن يجعل عملنا خالصا لوجهه، موافقا لما يحبه ويرضاه، نافعا لنا ولغيرنا. إنه جواد كريم.
1 / 6
١ - خطبة في الحث على التقوى وبيان حدها وفوائدها الحمد لله المتفرد بعظمته وكبريائه ومجده، المدبر للأمور بمشيئته وحكمته وحمده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ألوهيته وربوبيته وفضله ورفده، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، خير داع إلى هداه ورشده، اللهم صل وسلم وبارك على محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه وجنده. أما بعد: أيها الناس، اتقوا الله تعالى، فإن تقوى الله خير لباس وزاد، وأفضل وسيلة إلى رضى رب العباد، قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا - وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ [الطلاق: ٢ - ٣] فوعد المتقي بالفرج والخروج من كل هم وضيق، وبالرزق الواسع المتيسر من كل طريق، وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا - وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا﴾ [الطلاق: ٤ - ٥] فوعد من اتقاه أن ييسره لليسرى في كل الأمور، وأن يكفر عنه السيئات ويعظم له الأجور، وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ [الأنفال: ٢٩] فبشر المؤمنين إذا اتقوه بالفرقان؛ وهو العلم النافع،
1 / 7
المفرق بين الحلال والحرام، وبتكفير السيئات ومغفرة الآثام، وبالفضل العظيم من الملك العلام. فإن سألتم عن تفسير التقوى التي هذه آثارها، وهذه ثمراتها وفوائدها، فإن أساسها التوبة النصوح من جميع الذنوب، ثم الإنابة منكم كل وقت إلى علام الغيوب، وذلك بالقصد الجازم إلى أداء الفرائض والواجبات، وترك جميع المناهي والمحرمات، وهو القيام بحقوق الله، وحقوق المخلوقين. والتقرب بذلك إلى رب العالمين.
علامة المتقي أن يكون قائما بأصول الإيمان، متمِّمًا لشرائع الإسلام وحقائق الإحسان، محافظا على الصلوات في أوقاتها، مؤديا الزكاة لمستحقيها وجهاتها، قائما بالحج والصيام، بارا بوالديه واصلا للأرحام، محسنا إلى الجيران والمساكين، صادقا في معاملته مع جميع المعامَلين، سليم القلب من الكبر والغل والحقد والحسد، مملوءا من النصيحة ومحبة الخير لكل أحد، لا يسأل إلا الله، ولا يستعين إلا بالله، ولا يرجو ولا يخشى أحدا سواه. وقد وصف الله المتقي وبين ثوابه، في قوله تعالى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [آل عمران: ١٣٣] إلى قوله: ﴿وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾ [آل عمران: ١٣٦]
من الله علي وعليكم بتحقيق التقوى، وجعلنا وإياكم ممن استمسك بالعروة الوثقى، وبارك لي ولكم في القرآن العظيم.
1 / 8
[خطبة في الحث علي الإحسان]
بمناسبة الجدب الذي ضر البوادي وتلفت به أموالهم الحمد لله الذي وعد المنفقين أجرا عظيما وخلفا، وأوعد الممسكين لأموالهم عن الخير عطبا وتلفا. وأشهد أن لا إله إلا هو الملك الجواد، الرءوف بالعباد. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أفضل الرسل وخلاصة العباد، اللهم صل وسلم وبارك على محمد، وعلى آله وأصحابه، أولي الفضل والعلم والانقياد.
أما بعد: أيها الناس اتقوا الله حق تقواه، وارحموا عباده تفوزوا بثوابه ورضاه، قال تعالى: ﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾ [سبأ: ٣٩] ﴿وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا﴾ [المزمل: ٢٠] وقال ﷺ: «ينزل كل صباح يوم ملكان يقول أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكا تلفا» .
أيها الغني الذي عنده فضل من رزقه وماله: عد على أخيك
1 / 9
المعدم وترفق لحاله، فالراحمون يرحمهم الرحمن. «ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء» ارحموا إخوانكم الذين تلفت مواشيهم وقلت أموالهم، ارحموا عبادا اختلت أمورهم وتضعضعت أحوالهم، ارحموا أناسا كانوا بالأمس أغنياء واجدين، فأصبحوا من كل ما يملكونه معدمين، ارحموا أناسا أصابهم الجهد والفقر والضراء يرحمكم الرحمن في حالة السراء والضراء. أيها المؤمنون: ألا تثقون بوعد من لا يخلف الميعاد، ومن ليس لخيره وفضله نقص ولا نفاد، فإن الله وعد على الإنفاق الأجر ومضاعفة الثواب، ومدافعة البلايا والنقم والعذاب والخلف العاجل في المال والبركة في الأعمال، ووعد بفتح أبواب الرزق وصلاح الأحوال، فكونوا بوعده واثقين، وببره ومعروفه طامعين، فالقليل من الإنفاق مع النية الصالحة يكون كثيرا، وينيل الله لصاحبه مغفرة وأجرا كبيرا، قال ﷺ: «من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب - ولا يقبل الله إلا الطيب - فإن الله يتقبلها بيمينه ثم يربيها لأحدكم، كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل العظيم، واتقوا النار ولو بشق تمرة» . ليتصدق أحدكم من درهمه من ديناره من صاع بره من صاع شعيره. كيف يشبع أحدنا وأخوه المسلم جائع؟! كيف يتقلب أحدنا في نعيم
1 / 10
الدنيا وأخوه معدم فاقد؟! أين أهل الرحمة والشفقة؟ وأين من يقتحم العقبة؟ ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ - فَكُّ رَقَبَةٍ - أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ - يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ - أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ﴾ [البلد: ١٢ - ١٦] لقد قست قلوبنا فما ينفع فيها وعظ ولا تذكير، ولقد قلت رغبتنا في الخير فما يؤثر فيها تشويق ولا تحذير، أين نحن من أهل الصدقة والإحسان؟! الذين حنوا بما في قلوبهم من الرحمة على نوع الإنسان! يسارعون إلى الخيرات وإخراج المخبوءات! ويفرحون بالمال الذي يدفعون به الحاجات والضرورات، ويتقربون بذلك إلى رب السماوات، أولئك الذين يظلهم الله في ظله الظليل، وأولئك الذين حازوا الأجر والثواب الجزيل، وسلموا من العقاب والعذاب الوبيل، فليبشروا بالخلف العاجل من المولى الجليل، وبالبركة في أعمالهم، وأعمارهم وأرزاقهم، والخير الجميل، ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ - لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ﴾ [فاطر: ٢٩ - ٣٠] بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.
1 / 11
[خطبة في بيان لطفه بالعباد عند المكاره]
٣ - خطبة في بيان لطفه بالعباد عند المكاره الحمد لله الرؤوف الرحيم، البر الجواد الكريم، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك العظيم، له الأسماء الحسنى، والصفات العليا، والإحسان العميم، وله الرحمة الواسعة، والحكمة الشاملة، وهو العليم الحكيم، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، الذي قال الله فيه: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم: ٤] اللهم صل وسلم وبارك على محمد وعلى آله وأصحابه، الذين هُدُوا إلى الحق وإلى طريق مستقيم.
أما بعد: أيها الناس: اتقوا الله تعالى، فإن روح التقوى شكر المولى على نعمائه، والصبر والرضى بمر قضائه، شكره على المحاب والمسار، والتضرع إليه عند المكاره والمضار، قال ﷺ: «عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن» . واعلموا أن في تقديره للضراء والمكاره حكما لا تخفى، وألطافا وتخفيفات لا تحد ولا تُستقصى، والمؤمن حين تصيبه المكاره يغنم على ربه فيكون من الرابحين، يغنم القيام
1 / 12
بوظيفة الصبر، فيتم له أجر الصابرين، ويرجو الأجر والثواب فيحظى بثواب المحتسبين، وينتظر الفرج من الله فيحوز أجر الراجين لفضله الطامعين، فإن أفضل العبادة انتظار الفرج العاجل، ورجاء الثواب الآجل، والله تعالى يبتلي عباده، فإذا ابتلى لطف وأعان، وإذا تصعبت الأمور من جانب تسهلت من نواح أخرى، فيها الرأفة والامتنان، أما ترون حين قدر الله بحكمته انحباس الغيث، ووقوع الجدب في النبات، كيف لطف بكم في حشو هذا البلاء بنعم متتابعات؟!، وأياد وآلاء سابغات، أنعم عليكم بالآلات الحديثة التي قامت بها الزروع والحروث، واستخرجت بها المياه، وتتابعت بها النقليات لجميع المؤن من الضروريات والكماليات، ومرافق الحياة، فلو أن هذا الجدب صادف الناس بغير هذه الحالة، لهلكت الحروث وتعطلت النقليات، لقلة المواشي وعجزها، ولوقع بالعباد مجاعات وأضرار، وقاهم الله شرها، كما أن من ألطافه ما يسره للعباد من كثرة الأعمال المعينة على الرزق والمعاش، فقامت بها أمور الأغنياء والفقراء، وتم بها الانتعاش، فكم لله علينا من فضل عظيم، وكم أسبغ علينا من إحسان عميم، فعلينا أن نشكر الله بالاعتراف بنعمه وأياديه، وأن نتحدث بها في كل
1 / 13
ما يُسره أحدنا ويُبديه، وأن نستعين بها على طاعته ونتبع مراضيه، وعلينا أن نصبر ونرضى فيما يدبره مولانا ويقضيه، وأن يكون الفرج نصب أعيننا وقبلة قلوبنا، والطمع في فضله غاية قصدنا، ونهاية مطلوبنا، فإننا لم نرج مخلوقا ولا ممسكا ولا عديما، وإنما نرجو ربا غنيا جوادا كريما، لا يتبرم بإلحاح الملحين، ولا يبالي بكثرة العطايا وإجابة السائلين، عم البرايا كلها بفضله وخيره وعطائه، ووسع الخليقة كلها بنعمه وآلائه، أمرنا بالدعاء والسؤال، ووعدنا عليه الإجابة وكثرة النوال: ﴿اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ﴾ [الشورى: ١٩] بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.
1 / 14
[خطبة في تذكير الناس بنعم الدين]
٤ - خطبة في تذكير الناس بنعم الدين الحمد لله الذي منَّ بظاهر النعم وباطنها، وفروعها وأصولها، فأعطى النفوس من سوابغ نعمائه، غاية منيتها ومنتهى سولها، وأشهد أن لا إله إلا الله الذي تفرد بإيصال الخيرات والمسار، ودفع العقوبات والمكروهات والمضار، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المصطفى المختار، اللهم صل على محمد وعلى آله وأصحابه الأخيار، وعلى التابعين لهم بإحسان، بالأقوال والأفعال والإقرار، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد: أيها الناس، اتقوا الله تعالى، واشكروا مولاكم على ما خصكم به من النعم والآلاء، واعلموا أنكم لا تقدرون على العد لها والإحصاء، فاشتغلوا بالتفكر بأصول النعم وقواعدها، وما ترتب على ذلك من ثمراتها ونتائجها وفوائدها، فإنكم إذا ألقيتم نظرة على حالة الأمم وانحرافهم عن دين الإسلام القويم امتلأت قلوبكم من شكر الرب الرحيم، الذي منَّ عليكم بدين الإسلام، وبالسنة والصراط المستقيم، ثم إذا نظرتم في المنتسبين إلى دين الإسلام، وتفرقها على ثلاث وسبعين فرقة كلها هالكة
1 / 15
إلا أهل السنة التي منَّ الله عليكم بها، فيالها أكبر منحة وأسبغ منة. ونقى لكم دينكم من البدع والإشراك، وسلمكم من وسائل الشرك وطرق الغي والهلاك، بوسائل وأسباب يسرها الرب الكريم، حيث أقام لكم كل إمام قد استقام على الصراط المستقيم. فكان إمامكم الإمام أحمد بن حنبل، أكبر إمام نصر السنة والكتاب، وبه وبأصحابه وأتباعه ونظرائه يعرف السني من البدعي من سائر الطوائف والأحزاب، حتى أقام الله شيخ الإسلام والمسلمين، أحمد بن تيمية تقي الدين، فجاهد الكفار والمنافقين، وسائر الملحدين، وفرق المبتدعين. وأظهر من صريح السنة وأعلامها وعلومها ما عجزت عنه مدارك الأولين والآخرين، وسلك طريقته تلامذته وأتباعه من فحول العلماء المحققين، حتى جاءت النوبة لشيخ الجزيرة، وإمامها الأواب شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، فقام بهذا الأمر أتم القيام ولم يزل في جهاد مع الأعداء وجلاد. حتى نشر التوحيد الخالص والسنة المحضة بين العباد. وقمع الشرك ووسائله، والبدع والفساد، فخلصت الجزيرة ولله الحمد، وانصبغت بالسنة والتوحيد، وسلمت بمساعيه المشكورة ومساعي تلاميذه وأحفاده وأنصاره من الشرك والتنديد، فلم تجد فيها - ولله
1 / 16
الحمد - قبة على قبر ولا مشهدا، ولا توسلا بالمخلوقين، ولا مولدا ولا معبدا. أو ليس من أكبر منن الله عليكم وأجل إحسانه الواصل إليكم أن قيض لكم هؤلاء السادة الغرر؟! الذين حفظ الله بهم الدين الصحيح، وتحقق وانتشر حتى نشأتم أنتم وآباؤكم وأولادكم، تشربون من معين الشريعة أصفى شراب. وتغترفون من زلالها أحسن اغتراف، لم تدركوا هذا بوسيلة منكم، ولا قوة علم ولا ذكاء، وإنما ذلك فضل الله الذي ليس له غاية ولا انتهاء، بينما ترون الأقطار الأخرى محشوة بالشرك والكفر والإلحاد الصراح، مملوءة من البدع وبناء المشاهد على القبور. والأخلاق القباح، فاحمدوا ربكم على هذه النعم، التي لا تستطيعون لها عدا ولا شكورا، واستغفروه من تقصيركم، وتوبوا إليه إنه كان عفوا قديرا، وسلوه أن يحفظ عليكم أديانكم، وأن يثبتكم على الحق إلى الممات، وأن يحييكم في عافية مما أحاط بكم من الشرور والأمور المهلكات، إنه قريب مجيب الدعوات. فادعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.
1 / 17
[خطبة في أن الجزاء من جنس العمل وأسباب شرح الصدر]
٥ - خطبة في أن الجزاء من جنس العمل وأسباب شرح الصدر الحمد لله الذي شرح صدور الموفقين بألطاف بره وآلائه، ونور بصائرهم بمشاهدة حكم شرعه وبديع صنعه ومحكم آياته، وألهمهم كلمة التقوى، وكانوا أحق بها وأهلها، فسبحانه من إله عظيم، وتبارك من رب واسع كريم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، في أسمائه، وصفاته، وأفعاله، وخيراته، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أشرف رسله وخير برياته، اللهم صل وسلم وبارك على محمد وعلى آله وأصحابه في غدوات الدهر وروحاته.
أما بعد: أيها الناس، اتقوا الله تعالى، واعلموا أن سعادة الدنيا والآخرة بصلاح القلوب وانشراحها، وزوال همومها وغمومها وأتراحها، فألزموا طاعة الله، وطاعة رسوله، تدركوا هذا المطلوب، واذكروا الله كثيرا، ألا بذكر الله تطمئن القلوب. أما علمتم أن الإقبال على الله - رغبة ورهبة وإنابة - في جميع النوائب والحالات أعظم الأسباب لانشراح الصدور وطمأنينة النفوس وإدراك الغايات؟ وأن الإعراض عن الله والانكباب على
1 / 18
الشهوات نار تلظى في القلوب، وخسران وحسرات؟ وأن السعي في طلب العلم النافع مع النية الصادقة من أكبر الطاعات، وبه تزول التبعات والجهالات، والأمور المعضلات؟ وأن تنوع العبد في السعي في نفع المخلوقين في قوله وفعله وماله وجاهه يصلح الله به أموره في الدنيا والدين؟ ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن تواضع لله رفعه، ومن تكبر عليه أو على الخلق وضعه، ومن عفى وسامح سامحه الله، ومن استقضى استقضى الله عليه، ومن تتبع عورات المسلمين تتبع الله عورته وفضحه، ومن تورع عن عيوب الخلق كف الله عن عرضه، ومن تقرب إلى الله، تقرب الله منه، ومن أعرض عن الله، أعرض الله عنه، والجزاء من جنس العمل، وما ربك بظلام للعبيد. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [المؤمنون: ١] إلى قوله: ﴿الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [المؤمنون: ١١]
1 / 19
[خطبة في وجوب العناية بحقوق الله]
٦ - خطبة في وجوب العناية بحقوق الله الحمد لله الذي أيقظ الغافلين، ونفع بالتذكرة المؤمنين، فلم يشتغلوا بالدنيا وحدها، بل جمعوا بين الدنيا والدين، وعرفوا ما لربهم من الحق، فقاموا به قيام الصادقين، أحمده حمد الحامدين، وأشكره وأستعينه، فهو نعم المولى ونعم المعين، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله النبي المصطفى الأمين، اللهم صل وسلم على محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: أيها الناس، اتقوا الله حق تقواه لتفوزوا بنعيمه ورضاه، فإن الله خلقكم لمعرفته وعبادته، فطوبى لمن قام بحق مولاه، فحقه عليكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شركا خفيا ولا جليا، وأن تحققوا المتابعة والإخلاص، ويكون الله وحده لكم ناصرا ووليا، فتداركوا أعماركم بالتوبة النصوح، وإصلاح الأعمال قبل احترام النفوس وحضور الآجال، قبل أن تقول نفس يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله وطاعة ذي الجلال، كيف تغترون بالدنيا وقد أمدكم بعمر يتذكر فيه من تذكر
1 / 20
وجاءكم النذير؟! وقد علمتم أن الأجل ينطوي والإنسان في كل لحظة يرحل ويسير، يا عجبا لنا نضيع أوقاتنا - وهي أنفس ما لدينا - باللهو والبطالات، وقد جعلنا الدنيا دار قرار، وإنما هي دار العمل والتزود واغتنام الخيرات، يا عجبا تستوفي جميع مراداتك من مولاك ولا تستوفي حقه عليك، وأنت متبع لهواك، وتعرض عن مولاك وقت الرخاء والسراء، وتلجأ إليه حين تصيبك الضراء، أكرمك وقدمك على سائر المخلوقات، فقدمه في قلبك، وقدم حقّه على كل المرادات، من أقبل على ربه تلقاه، ومن ترك لأجله وخالف هواه عوضه خيرا مما تركه، ورضي عنه مولاه، ومن قدم رضى المخلوقين على رضاه فقد خسر دينه ودنياه، ومن أعرض عن ذكره فإن له معيشة ضنكا، وذلك بما قدمت يداه، ومن توكل عليه صادقا من قلبه، يسر له أمره وكفاه، ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا - وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ [الطلاق: ٢ - ٣] وحفظه من الشر وحماه ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ [فصلت: ٤٦] بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.
1 / 21
[خطبة في التوكل]
٧ - خطبة في التوكل الحمد لله القوي المتين، الملك الحق المبين، وأشهد أن لا إله إلا الله، فإياه نعبد وإياه نستعين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، سيد المرسلين وإمام المتقين. اللهم صل وسلم على محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها الناس، اتقوا الله، واعتصموا بحبل الله، وتوكلوا في أموركم كلها على الله، قال تعالى: ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [آل عمران: ١٢٢] ﴿فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾ [هود: ١٢٣] ﴿وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾ [الحج: ٧٨] ﴿وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ [هود: ٨٨] ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة: ٥] وقال ﷺ: «إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله» . فالاستعانة بالله والتوكل عليه من أعظم واجبات الإيمان، وأفضل الأعمال المقربة إلى الرحمن، فإن الأمور كلها لا تحصل، ولا تتم إلا بالاستعانة بالله، ولا عاصم للعبد سوى الاعتماد على الله، فإن ما شاء الله كان؛ وما لم يشأ لم يكن، ولا تحول للعباد
1 / 22
من حال إلى حال إلا بالله، ولا قدرة لهم على طاعة الله إلا بتوفيق الله، ولا مانع لهم من الشر والمعاصي إلا عصمة الله، وكذلك أسباب الرزق لا تحصل وتتم إلا بالسعي في الطلب مع التوكل على الله، قال ﷺ: «لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا»، فوصف ﷺ المتوكل على الله بوصفين: السعي في طلب الرزق والاعتماد القوي على مسبب الأسباب، فمن فقد الوصفين أو أحدهما خسر وخاب، ومن سعى في الأسباب المباحة واعتمد على ربه وشكر المولى إذا حصلت له المحبوبات وصبر لحكمه عند المصائب والكريهات، فقد فاز ونجح واستولى على جميع الكمالات، من علم أنه فقير إلى ربه في كل أحواله كيف لا يتوكل عليه؟! ومن علم أنه عاجز مضطر إلى مولاه كيف لا يستعين به وينيب إليه؟! ومن تيقن أن الأمور كلها بيد الله كيف لا يطلبها ممن هي في يديه؟! ومن علم بسعة غناه وجوده كيف لا يلجأ في أموره كلها إليه؟! ومن استيقن أنه أرحم بعباده من الوالدة بولدها كيف لا يطمئن قلبه إلى تدبيره؟! ومن علم أنه حكيم في كل ما قضاه كيف لا يرضى بتقديره؟! فيا أيها العبد المقبل على الخير إنك لن تناله إلا ببذل المجهود، والاستعانة والاعتماد على المعبود، ويا أيها المجاهد
1 / 23