156

Le Mal et le Remède

الداء والدواء

Maison d'édition

دار المعرفة

Numéro d'édition

الأولى

Année de publication

1418 AH

Lieu d'édition

المغرب

Genres

Soufisme
وَلَمَّا كَانَتِ الْعَثْرَةُ عَثْرَتَيْنِ: عَثْرَةَ الرِّجْلِ وَعَثْرَةَ اللِّسَانِ، جَاءَتْ إِحْدَاهُمَا قَرِينَةَ الْأُخْرَى فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾ [سُورَةُ الْفُرْقَانِ: ٦٣] .
فَوَصَفَهُمْ بِالِاسْتِقَامَةِ فِي لَفْظَاتِهِمْ وَخُطُوَاتِهِمْ، كَمَا جَمَعَ بَيْنَ اللَّحَظَاتِ وَالْخَطَرَاتِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ [سُورَةُ غَافِرٍ: ١٩] .
فَصْلٌ
وَهَذَا كُلُّهُ ذَكَرْنَاهُ مُقَدِّمَةً بَيْنَ يَدَيْ تَحْرِيمِ الْفَوَاحِشِ وَوُجُوبِ حِفْظِ الْفَرْجِ، وَقَدْ قَالَ ﷺ: «أَكْثَرُ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ: الْفَمُ، وَالْفَرْجُ» .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ ﷺ: «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّبِ الزَّانِي، وَالنَّفْسِ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكِ لِدِينِهِ الْمُفَارِقِ لِلْجَمَاعَةِ»، وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي اقْتِرَانِ الزِّنَى بِالْكُفْرِ وَقَتْلِ النَّفْسِ، نَظِيرُ الْآيَةِ الَّتِي فِي الْفُرْقَانِ، وَنَظِيرُ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ.
وَبَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالْأَكْثَرِ وُقُوعًا، وَالَّذِي يَلِيهِ، فَالزِّنَى أَكْثَرُ وُقُوعًا مِنْ قَتْلِ النَّفْسِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ أَكْثَرُ وُقُوعًا مِنَ الرِّدَّةِ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ تَنَقَّلَ مِنَ الْأَكْبَرِ إِلَى مَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ، وَمَفْسَدَةُ الزِّنَى مُنَاقِضَةٌ لِصَلَاحِ الْعَالَمِ: فَإِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا زَنَتْ أَدْخَلَتِ الْعَارَ عَلَى أَهْلِهَا وَزَوْجِهَا وَأَقَارِبِهَا، وَنَكَّسَتْ رُءُوسَهُمْ بَيْنَ النَّاسِ، وَإِنْ حَمَلَتْ مِنَ الزِّنَى، فَإِنْ قَتَلَتْ وَلَدَهَا جَمَعَتْ بَيْنَ الزِّنَى وَالْقَتْلِ، وَإِنْ حَمَلَتْهُ عَلَى الزَّوْجِ أَدْخَلَتْ عَلَى أَهْلِهِ وَأَهْلِهَا أَجْنَبِيًّا لَيْسَ مِنْهُمْ، فَوَرِثَهُمْ وَلَيْسَ مِنْهُمْ، وَرَآهُمْ وَخَلَا بِهِمْ وَانْتَسَبَ إِلَيْهِمْ وَلَيْسَ مِنْهُمْ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَفَاسِدِ زِنَاهَا.
وَأَمَّا زِنَى الرَّجُلِ فَإِنَّهُ يُوجِبُ اخْتِلَاطَ الْأَنْسَابِ أَيْضًا، وَإِفْسَادَ الْمَرْأَةِ الْمَصُونَةِ وَتَعْرِيضَهَا لِلتَّلَفِ وَالْفَسَادِ، وَفِي هَذِهِ الْكَبِيرَةِ خَرَابُ الدُّنْيَا وَالدِّينِ، وَإِنْ عَمَرَتِ الْقُبُورَ فِي الْبَرْزَخِ وَالنَّارَ فِي الْآخِرَةِ، فَكَمْ فِي الزِّنَى مِنِ اسْتِحْلَالٍ لِحُرُمَاتٍ وَفَوَاتِ حُقُوقٍ وَوُقُوعِ مَظَالِمَ؟
وَمِنْ خَاصِّيَّتِهِ: أَنَّهُ يُوجِبُ الْفَقْرَ، وَيُقَصِّرُ الْعُمُرَ، وَيَكْسُو صَاحِبَهُ سَوَادَ الْوَجْهِ، وَثَوْبَ الْمَقْتِ بَيْنَ النَّاسِ.
وَمِنْ خَاصِّيَّتِهِ أَيْضًا: أَنَّهُ يُشَتِّتُ الْقَلْبَ وَيُمْرِضُهُ إِنْ لَمْ يُمِتْهُ، وَيَجْلِبُ الْهَمَّ وَالْحَزَنَ وَالْخَوْفَ، وَيُبَاعِدُ صَاحِبَهُ مِنَ الْمَلَكِ وَيُقَرِّبُهُ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَلَيْسَ بَعْدَ مَفْسَدَةِ الْقَتْلِ أَعْظَمُ مِنْ

1 / 162