Le Mal et le Remède
الداء والدواء
Maison d'édition
دار المعرفة
Numéro d'édition
الأولى
Année de publication
1418 AH
Lieu d'édition
المغرب
Genres
Soufisme
مَنْ يَشَاءُ مِنْهُمْ إِلَى سُلُوكِهِ نِعْمَةً مِنْهُ وَفَضْلًا، وَلَمْ يَخْرُجْ بِهَذَا الْعَدْلِ وَهَذَا الْفَضْلِ عَنْ صِرَاطِهِ الْمُسْتَقِيمِ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ لِقَائِهِ نَصَبَ لِخَلْقِهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا يُوَصِّلُهُمْ إِلَى جَنَّتِهِ، ثُمَّ صَرَفَ عَنْهُ مَنْ صَرَفَ عَنْهُ فِي الدُّنْيَا، وَأَقَامَ عَلَيْهِ مَنْ أَقَامَهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا، نُورًا ظَاهِرًا يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ فِي ظُلْمَةِ الْحَشْرِ، وَحَفِظَ عَلَيْهِمْ نُورَهُمْ حَتَّى قَطَعُوهُ كَمَا حَفِظَ عَلَيْهِمُ الْإِيمَانَ حَتَّى لَقَوْهُ، وَأَطْفَأَ نُورَ الْمُنَافِقِينَ أَحْوَجَ مَا كَانُوا إِلَيْهِ، كَمَا أَطْفَأَهُ مِنْ قُلُوبِهِمْ فِي الدُّنْيَا.
وَأَقَامَ أَعْمَالَ الْعُصَاةِ بِجَنْبَتَيِ الصِّرَاطِ كَلَالِيبَ وَحَسَكًا تَخْطِفُهُمْ كَمَا خَطَفَتْهُمْ فِي الدُّنْيَا عَنِ الِاسْتِقَامَةِ عَلَيْهِ، وَجَعَلَ قُوَّةَ سَيْرِهِمْ وَسُرْعَتَهُمْ عَلَى قَدْرِ قُوَّةِ سَيْرِهِمْ وَسُرْعَتِهِمْ فِي الدُّنْيَا، وَنَصَبَ لِلْمُؤْمِنِينَ حَوْضًا يَشْرَبُونَ مِنْهُ بِإِزَاءِ شُرْبِهِمْ مِنْ شَرْعِهِ فِي الدُّنْيَا، وَحَرَمَ مِنَ الشُّرْبِ مِنْهُ هُنَاكَ مَنْ حُرِمَ الشُّرْبَ مِنْ شَرْعِهِ وَدِينِهِ هَاهُنَا.
فَانَظُرْ إِلَى الْآخِرَةِ كَأَنَّهَا رَأْيُ عَيْنٍ، وَتَأَمَّلْ حِكْمَةَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ فِي الدَّارَيْنِ، تَعْلَمْ حِينَئِذٍ عِلْمًا يَقِينًا لَا شَكَّ فِيهِ: أَنَّ الدُّنْيَا مَزْرَعَةُ الْآخِرَةِ وَعُنْوَانُهَا وَأُنْمُوذَجُهَا، وَأَنَّ مَنَازِلَ النَّاسِ فِيهَا مِنَ السَّعَادَةِ وَالشَّقَاوَةِ عَلَى حَسَبِ مَنَازِلِهِمْ فِي هَذِهِ الدَّارِ فِي الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ وَضِدِّهِمَا، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
فَمِنْ أَعْظَمِ عُقُوبَاتِ الذُّنُوبِ - الْخُرُوجُ عَنِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
[فَصْلٌ أَصْلُ الذُّنُوبِ]
فَصْلٌ
أَصْلُ الذُّنُوبِ
وَلَمَّا كَانَتِ الذُّنُوبُ مُتَفَاوِتَةً فِي دَرَجَاتِهَا وَمَفَاسِدِهَا تَفَاوَتَتْ عُقُوبَاتُهَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ بِحَسَبِ تَفَاوُتِهَا.
وَنَحْنُ نَذْكُرُ فِيهَا بِعَوْنِ اللَّهِ وَحُسْنِ تَوْفِيقِهِ فَصْلًا وَجِيزًا جَامِعًا، فَنَقُولُ:
أَصْلُهَا نَوْعَانِ: تَرْكُ مَأْمُورٍ، وَفِعْلُ مَحْظُورٍ، وَهُمَا الذَّنْبَانِ اللَّذَانِ ابْتَلَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِهِمَا أَبَوَيِ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ.
وَكِلَاهُمَا يَنْقَسِمُ بِاعْتِبَارِ مَحِلِّهِ إِلَى ظَاهِرٍ عَلَى الْجَوَارِحِ، وَبَاطِنٍ فِي الْقُلُوبِ.
وَبِاعْتِبَارِ مُتَعَلَّقِهِ إِلَى حَقِّ اللَّهِ وَحَقِّ خَلْقِهِ.
وَإِنْ كَانَ كُلُّ حَقٍّ لِخَلْقِهِ فَهُوَ مُتَضَمِّنٌ لِحَقِّهِ، لَكِنْ سُمِّي حَقًّا لِلْخَلْقِ لِأَنَّهُ يَجِبُ بِمُطَالَبَتِهِمْ وَيَسْقُطُ بِإِسْقَاطِهِمْ.
1 / 123