Al-Bustan fi I'rab Mushkilat al-Qur'an
البستان في إعراب مشكلات القرآن
Chercheur
الدكتور أحمد محمد عبد الرحمن الجندي
Maison d'édition
مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية
Numéro d'édition
الأولى
Année de publication
١٤٣٩ هـ - ٢٠١٨ م
Genres
مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية
سلسلة تحقيق التراث (٣٥)
البستان في إعراب مشكلات القرآن
تصنيف أحمد بن أبي بكر بن عمر الجبلي المعروف بابن الأحنف اليمني
المتوفى سنة ٧١٧ هجرية
الجزء الأول
من أول سورة الأنبياء إلى نهاية سورة النمل وهي بداية الموجود من الكتاب
دراسة وتحقيق الدكتور أحمد محمد عبد الرحمن الجندي
1 / 1
- أ -
كلمة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية
الحمدُ للَّه ربّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على المبعوثِ رحمةً للعالمين.
وبعد،
فقد دأب مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، منذ نشأته الميمونة المبارَكة، على الأسهام الفاعل في نشر مجموعةٍ مختارة من أعلاق التراث ونفائسة النادرة، وتكليفِ نُخبةٍ من أفاضل المحقِّقين المتمرِّسين بدقائق الفن القيام بهذه المهمة على أكمل وجه ضمن التقاليد العلمية الراسخة في مسار التحقيق، وإخراج ذلك كُلّه في طبعاتٍ علميةٍ أنيقة استوفت مطالب التحقيق شكلًا ومضمونًا، بحيث غدتْ منشوراتُ المركز شامةً في وجه التراث النضِير، ويتطلّع إلى الإسهام فيها خيرةُ الباحثين والمحقِّقين.
وخلال هذه المسيرة الزاهرة أنجز المركز مجموعةً من كتب التراث القيّمة التي ظَفِرت بتقدير أهل العلم والباحثين؛ لما توفّر لها من ضروب العناية والإتقان، وكان هذا التقدير حافزًا لمواصلة المسيرة، ومُشجِّعًا على إعادة إصدار مجموعة مختارة من الكتب التي نشرت من قبل؛ لوضعها بين يدي الأجيال اللاحقة التي ربما لم تتيسّر لها تلك النشرات الأصيلة المتميزة.
في هذا السياق من الاهتمام والرغبة الصادقة في التجديد وإحياء الكنوز
1 / 2
-ب -
التراثية تأتي نشرتنا لهذا الكتاب البديع الذي يُنشَر لأول مرّة، وهو كتاب "البستان في إعراب مشكِلات القرآن" للإمام الفقيه النحْوي المفسِّر أحمد بن أبي بكر بن عمر الجِبْليّ الشهير بابن الأحنَف اليمني، المتوفّى سنةَ ٧١٧ هجرية، وقد نهض بأعباء تحقيقه باحثٌ صبورٌ هو الأستاذ الدكتور أحمد محمد الجندي، باذلًا فيه من الجهد والعناية ما يستحق التنويه والثناء، كاشفًا بذلك عن أثرٍ علميٍّ جديرٍ بالنشر من تراث القُطر اليمني الشقيق، ذلكم البلد المبارك الذي شهد رسولُ اللَّه ﷺ لأهله بفِقْهِ النفس ورِقّة القلب.
إنّ عِلْمَ (مُشكل إعراب القرآن) علمٌ راسخ المكانة بين جملة علوم القرآن، وقد صنّف فيه غير واحدٍ من أعلام المشتغلين بالنحو والتفسير، ويأتي هذا الكتاب القيّم "البستان" في هذا السياق من العناية بعلوم القرآن، ويتميّز "البستان" بغير واحدة من مظاهر الإجادة التي تجعل من نشره عملًا ذا قيمة في دوائر المشتغلين بعلوم القرآن خاصّة، وبالتراث على وجه العموم. فهو كتابٌ ضخمٌ على مستوى الحجم، وربما كان هو الأكبر بين جميع المصنّفات في هذا العلم، وكم نشعر بالأسف لأنّ هذه المجلدات الخمسة التي يتشرّف المركز بنشرها لا تحوي سوى نصف الكتاب وربما أقلّ قليلًا، ومع ذلك فإنه كتابٌ مشحونٌ بالفوائد العلمية الغزيرة الدالّة على الباع المديدة لصاحبه في العلم، وقد جرى فيه مصنّفه على الموضوعية العلمية دون تحيُّز لمدرسة نحْوية بعينها، لا سيّما المدرستان الكبيرتان: البصرة والكوفة، حيث مارس منحًى علميًّا ناضجًا في توجيه المعنى القرآني، معبِّرًا بذلك عن سدادٍ في الرؤية وبصيرة في المعالجة العلمية، فضلًا عن اشتمال الكتاب على غير قليل من النقول عن الكتب النادرة أو المفقودة، مشفوعًا ذلك كلّه بمتانة التكوين العلمي للمؤلف، فهو عالمٌ شهد معاصِرُوه ومَن اعتنى بترجمته بأنه كان من أعيان العلماء
1 / 3
- ج -
المحقِّقين، ولولا ما شاب كتابه من ذكر الأحاديث الضعيفة -بل الموضوعة أحيانًا- في فضائل سُوَر القرآن الكريم لكان الكتاب غايةً في بابه، لكنّ أمر تلك الأحاديث فاشٍ في كثيرٍ من كتب التفسير، وتولّى نَقَدةُ المحدِّثين تبيينَه، فليس يغضُّ من قيمة الكتاب.
لقد ظفر الكتاب بتحقيقٍ علمي شاهدٍ بكفاءة المحقق، وبنوعٍ من العناية دالٍّ على أهمية الكتاب، فضلًا عن المقدّمة التحليلية الضافية التي قدّمت صورة دقيقة للكتاب وموقعه بين مصنفات إعراب القرآن الكريم، مع استيفاءٍ لمطالب التحقيق العلمي، ما جعل منه عملًا علميًّا جَدِيرًا بالاحتفاء به مَتْنًا وتحقيقًا.
هذا، وقد حظي الكتاب بعناية إضافية من المركز، تصحيحًا وتدقيقًا ومراجعة، فتضافرت جهود المحقّق مع جهود المركز، فجاءت هذه الطبعة في غايةٍ من التجويد.
د. سعود السرحان
الأمين العام للمركز
1 / 4
مقدِّمة
الحمدُ للَّه ربِّ العالَمين، والصّلاة والسّلام على أفصحِ من نَطَق بالضاد، وسيِّد الخَلْق أجمعين، سيِّدنا محمدٍ النبيِّ الأُميِّ الكريم، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمّا بعدُ،
فإنّ اللَّهَ ﷿ شَرَّفَ اللّغة العربيّةَ بأن جعلها لغةَ القرآن الكريم، ومن هنا كانت عنايةُ العلماء منذ العصور الإسلاميّة الأُولى بهذه اللّغة، فتناولوها بالجَمْع والدِّراسة والاستنباط، وهَمُّهُم في ذلك كلِّه خدمةُ القرآن الكريم بصةٍ خاصة، والإسلامِ بصةٍ عامة.
وكان لعلماءِ النَّحو -خاصةً- مكانةٌ متميِّزةٌ بين علماءِ اللّغة، فكانت دراساتُهم مُنصَبّةً على القرآن الكريم، كما دَفَعهم إلى ذلك خوفُهم على اللسان العربيِّ من انتشار اللَّحن بسبب اختلاط العرب بغيرهم من الأُمم الأخرى التي دخلت في الإسلام.
ومن أهمِّ الميادين التي اهتمَّ بها النُّحاةُ: ميدانُ إعرابِ القرآن، فقد كان اهتمامهم به واضحًا منذ البدايات الأولى، فألَّفوا فيه مؤلَّفاتٍ مستقلّةً، وكانت هذه الكتب تطبيقًا للقواعد النَّحويّة على القرآن الكريم، ويأتي في طليعة هذه الكتب: "معاني القرآن" للفَرّاء، و"معاني القرآن" للأخفَش، و"مجازُ القرآن" لأبي عُبَيدةَ، وما تلاها من كتبٍ سَلَكت السَّبيل نفسَها في إعراب القرآن.
1 / 5
كما اهتمُّ النّحاة بشيءٍ أَدَقُّ في هذا المَجالِ، وهو إعرابُ مشكِلات القرآن، وألَّفُوا فيه كتبًا مستقِلّةً، ويأتي في مقدّمتها: مشكِلُ إعراب القرآن لِمَكِّيِّ بن أبي طالبٍ القَيْسي.
وقد كان اهتمامي بإعرابِ القرآن كبيرًا، وأحمَد اللَّهَ أنْ وفَّقني إلى تحقيق كتاب في هذا المجال، وهو:
البستان في إعراب مشكِلات القرآن
لأبي العباس أحمَدَ بن أبي بكرٍ بن عُمرَ بن أبي الخَيْر بن أبي الهَيْثم الجِبْلِيِّ المعروف بالأحنَف أو ابنِ الأحنَف اليمَنيِّ
المتوفَّى سنةَ (٧١٧ هـ).
ومن الأسباب التي دفعَتْني إلى تحقيق هذا الكتاب:
١ - عنوان الكتاب، فقد كان أوَّلَ ما دفَعَني إلى تحقيق هذا الكتاب عنوانُهُ، وهو إعرابُ مشكِلات القرآن، ذاك المجال الذي أحببته حُبًّا شديدًا منذ سني دراستي في كلية اللُّغة العربية.
٢ - كونُه لِعالِمٍ من علماء اليمن، ذلك القُطر العربِيُّ الإسلاميُّ الذي أَنْجب علماءَ في شتّى المجالاتِ العلميّة، خَدَموا الإسلام والعربيّةَ على مَرِّ العصور، فاليمن بلدٌ لمْ ينَلْ ما يستحِقُّه من اهتمام الباحثين، ولمْ يكشف الكثيرَ من أسرار خزائنه العلميّة التي تحوي كنوزًا كثيرةً جِدًّا من المخطوطات في مختلَف مجالات العلوم الإسلاميّة والعربيّة، تلك الكنوز التي لمْ ترَ النُّورَ بعدُ، وما تزال حبيسةَ هذه الخزائن التي تنتشر في اليمن.
1 / 6
٣ - أنّ هذا الكتابَ يكشف النِّقابَ عن عالِمٍ مُبَرِّزٍ من علماء اليمن، ربما لمْ يسمَعْ به أحدٌ من قبلُ، وهذا راجعٌ فيما يبدو إلى الطّبيعة الخاصّة ببلاد اليمن، أو إلى قلّة مؤلَّفاته، أو إلى عدم ذُيوعِها بين الناس.
٤ - أنّ الكتاب له أهميّةٌ خاصّةٌ في نفسه، فهو حافلٌ بآراءِ العلماء في إعراب القرآن، فقد بَلَغت عنايةُ المؤلِّف بهذه الآراء مبلغًا كبيرًا، كما أنه اهتمَّ باللّغة اهتمامًا واضحًا، واستعان بها في إعرابه وشرحه للآيات القرآنيّة، كما اهتمَّ المؤلِّفُ بالاستشهادِ بكلام العرب، وخاصّةً الشِّعرَ، فزادت شواهدُه النَّحويّةُ واللُّغويّةُ على ستِّمائة بيت، بخلاف ما أَوْرده من أبياتٍ ومقطوعات في الزُّهد والحِكمة ونحوهما.
أمّا الصُّعوباتُ التي واجهَتْني في أثناء تحقيقي لهذا الكتاب، فهي كثيرةٌ، ولكن اللَّه ﷿ يَسَّرَ لي أمري، وأعانني عليها، ومن أهمِّ هذه الصِّعاب:
١ - أنّني لمْ أعثُرْ على نسخةٍ كاملةٍ لهذا الكتاب، بل الموجودُ منه جزءٌ يبدأ بسورة الأنبياء، وينتهي بآخرِ القرآن الكريم، وهي نسخةٌ وحيدة، ولكنّها تمتاز بأنّها منقولةٌ من نسخةِ المؤلِّف، ومقابَلةٌ عليها، وبها تصحيحاتٌ وتعليقات.
٢ - أنّ هذه النُّسخةَ المذكورةَ توجد صورة منها في دار الكتُب المصريّة، وبها نقصٌ من آخِرها، إِذْ تنتهي بسورةِ الجنِّ، فبحثتُ عن بقيّتِها، ونَظَرتُ في فهارِسِ المكتبات، حتى عثرتُ على مصوَّرةٍ من المخطوط ذاتِه، وهي محفوظةٍ بمركز البحث العلميِّ وإحياء التّراث الإسلاميِّ بجامعة أُمِّ القرى بالمملكة العربيّة السُّعودية، وهي تنتهي بآخِر القرآنِ الكريم، فطلبتُ إلى بعض الإخوة الأفاضل، فزوَّدوني بها، ممّا شجَّعني على المُضيِّ في عملي في التحقيق.
ولكن، على الرَّغم من أنّ الكتابَ لم يَصِلْ إلينا كاملًا، إلّا أنه مهمٌّ جدًّا في مجالِهِ، وهو إعرابُ مشكِلات القرآن؛ لأنه رَسَم صورةً واضحةً إلى حَدٍّ بعيد
1 / 7
لشخصيّة مؤلِّفِهِ النَّحويّةِ، فالمؤلِّفُ كان كأكثرِ العلماء المتأخِّرين يمزُجُ بين آراءِ البصريِّين والكوفيِّين في اختياراته النَّحوية، ولكنّه كان أكثرَ ميلًا إلى المذهب الكوفِيِّ في هذه الاختيارات والآراءِ النَّحوية، وهذا مُبَيَّنٌ في الفصل الأول من القسم الأول من هذه الدراسة.
٣ - أنّ الكتابَ حافلٌ بالنُّقول عن العلماء في النَّحو واللُّغة وغيرهما، ومنها نُقولٌ عن كتُبٍ مفقودةٍ لمْ تَصِلْ إلينا، ومنها: كتُبٌ لا تزال مخطوطةً، منها: كتابُ "عَيْنُ المعاني في تفسير السَّبع المثاني"، ومختصرُه "إنسانُ العَيْن" لمحمد بن طَيْفور الغَزْنَويِّ الشجاوَنْدي المتوفَّى في منتصَف القرن السادس الهجريِّ تقريبًا.
وقد تكوَّنَ هذا البحثُ من قسمَيْن، تسِبقُهما مقدِّمةٌ، وتعقُبُهما خاتَمة.
- أمّا المقدِّمة فقد اشتملت على أهميّة الموضوع وأسباب اختياري له، والصُّعوباتِ التي واجهتني في تحقيقه.
- وأمّا القسم الأول: فهو قسمُ الدِّراسة، وقد جاء بعُنوان "الجِبْلِيُّ وكتابُه البُستان في إعرابِ مشكِلات القرآن"، وقد اشتمل على فصلَيْن:
- الفصل الأول: الجِبْلِيُّ - حياتُهُ وآثارُهُ، وقد اشتمل على ثمانيةِ مباحثَ هي:
المبحث الأول: كُنيتُه واسمُه ونَسَبه ولقبُه.
المبحث الثاني: مولدُه.
المبحث الثالث: عصرُه.
المبحث الرابع: شيوخُه وتلاميذُه.
1 / 8
المبحث الخامس: مَنْزِلتُه العلميّة.
المبحث السادس: آثارُه ووفاته.
المبحث السابع: موقفُه من أصول النَّحو.
المبحث الثامن: مذهبُه النَّحويُّ واختياراتُه.
- الفصل الثاني: كتابُ "البستان في إعراب مشكِلات القرآن"، وقد اشتمل على ستةِ مباحثَ هي:
المبحث الأول: عُنوان الكتاب، وتوثيقُ نسبتِهِ للجِبْليِّ، وموضوعه.
المبحث الثاني: مصادرُه.
المبحث الثالث: منهجُ الجِبْليِّ فيه.
المبحث الرابع: المصطلَحاتُ النَّحويّةُ في "البستان".
المبحث الخامس: العِلّةُ النَّحويّة في "البستان".
المبحث السادس: ملحوظاتٌ على الكتاب.
- وأمّا القسم الثانِي: فهو قسمُ التحقيق، وقد اشتمل على:
- وَصْفِ نُسخة المخطوط.
- منهج التحقيق.
- نماذجَ مصوّرةٍ من المخطوط.
- النصِّ المحقَّق.
وقد حَقَّقْتُ الكتابَ مُتَّبِعًا المنهجَ العلميَّ في تحقيق المخطوطات، وبَيَّنْتُ ذلك في القسم الثاني: قسم التحقيق، وذلك في منهج التحقيق.
1 / 9
- وأمّا خاتَمةُ الدِّراسة فقد اشتملت على أهمِّ ما توصَّلتُ إليه من نتائجَ فيها.
- وأمّا الفهارسُ فقد اشتملت على أحدَ عشَرَ فِهرِسًا، هي:
١ - فِهرِسُ الشّواهد القرآنيّة.
٢ - فِهرِسُ القراءاتِ القرآنيّة.
٣ - فِهرِسُ الأحاديثِ والآثار.
٤ - فِهرِسُ الأقوال والأمثال ونحوِها.
٥ - فِهرِسُ الأشعارِ والأرجاز.
٦ - فِهرِسُ الأعلام.
٧ - فِهرِسُ القبائل والطوائف والجماعات.
٨ - فِهرِسُ الأماكن والمواضع والبُلدان والمياه.
٩ - فِهرِسُ الكتب المذكورة في النَّص.
١٠ - فِهرِسُ المصادرِ والمراجع.
١١ - فِهرِسُ الموضوعات.
وعَمَلًا بقولِ النبيِّ المصطفى ﷺ: "مَن لمْ يَشْكُرِ النّاسَ لمْ يَشْكُرِ اللَّهَ ﷿"، فإنني -بَعْدَ شُكْرِ اللَّه تعالى- أتقدَّمُ بجزيل الشُّكر وعظيم الامتنان لأساتذتي الأجِلّاء في كليّة اللّغة العربيّة بالمَنُوفيّة - جامعة الأزهر، وأخصُّ منهم حضَرات السّادةِ العلماء: الأستاذ الدكتور/ أحمد محمد عبد اللَّه.
والأستاذ الدكتور/ السيّد محمد عبد المقصود.
والأستاذ الدكتور/ حمزة عبد اللَّه النَّشَرْتي.
والأستاذ الدكتور/ أمين عبد اللَّه سالم.
1 / 10
كما أتقدُّم بوافر الشُّكر وأَجْزَلِه للعالِمَيْنِ الفاضلَيْن: سعادةِ الأُستاذ الدكتور تركي ابن سهو العتيبي، وسعادة الأُستاذ الدكتور سَيْف بن عبد الرحمن العريفي، الأستاذَيْنِ بكليّة اللُّغة العربيّة بجامعةِ الإمام محمد بن سعود الإسلامية، فقد زَكَّيا الكتابَ للنَّشر بمركز الملك فيصل.
كما أنّني أُهدي هذا العملَ إلى والدي ﵀ وإلى والدتي بارك اللَّه لنا في عمُرِها، كما أنّني أشكر لزوجتي وأولادي لِقاءَ ما تحملوه معي بسبب انشغالي عنهم بهذا العمل وغيره.
وبعدُ. . فهذا ما اجتهدتُ فيه من أَجْل تحقيق هذا الكتاب، وإخراجِه على هذه الصُّورة، فاللَّهَ أسألُ أن يجعلَ هذا العمل خالصًا لوجهِه الكريم، وأن يجعَلَه في ميزان حسناتي يوم القيامة.
﴿وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾.
أحمد محمّد الجِنْدي
عضو هيئة التدريس بكلية اللغة العربية بالمَنُوفية/ جامعة الأزهر
وكلية اللغة العربية بالرياض/ جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
1 / 11
القسمُ الأول الدِّراسة
الجِبْلِيُّ وكتابُهُ "البُسْتانُ في إِعرابِ مُشْكِلاتِ القُرْآنِ"
الفصل الأول: الجِبْليُّ - حياتُهُ وآثارُهُ.
الفصل الثانِي: كتابُ "البُستان في إعرابِ مشكِلاتِ القُرآن".
1 / 13
الفصل الأول الجِبْلِيُّ - حياتُهُ وآثارُهُ
ويشتمل على المباحث الآتية:
المبحث الأول: كُنْيتُه واسمُه ونَسَبُه ولَقبُه.
المبحث الثاني: مولدُه.
المبحث الثالث: عصرُه.
المبحث الرابع: شيوخُه وتلاميذُه.
المبحث الخامس: مَنْزِلتُه العلميّة.
المبحث السادس: آثارُه ووفاتُه.
المبحث السابع: موقفُه من أصول النَّحو.
المبحث الثامن: مذهبُه النَّحْويُّ واختياراتُه.
1 / 15
المبحث الأول كُنْيتُه واسْمُهُ ونَسَبُه ولقَبُه
١ - كُنْيته واسْمُهُ ونَسَبُه:
هو أبو العَبّاس أحمد بن أَبِي بَكْرِ (^١) بن عُمَرَ (^٢) بن أَبِي الخَيْر بنِ أَبِي الهَيْثَمِ (^٣) الجِبْلِيُّ (^٤).
_________
(^١) ينظر: العقود اللؤلؤية في تاريخ الدولة الرسولية ١/ ٤٢٣، الأعلام للزركلي ١/ ١٠٤.
(^٢) ينظر: السلوك في طبقات العلماء والملوك للجَنَدِيِّ ٢/ ١٧٧، بغية الوعاة ١/ ٢٩٩، طبقات المفسرين للداودي ١/ ٣٤، هدية العارفين للبغدادي ١/ ١٠٤، معجم المؤلفين لكحّالة ١/ ١٧٧.
(^٣) ينظر: مجلة معهد المخطوطات العربية مج ١ ج ٢ ص ٢٠٠.
(^٤) وقد وردت نسبته عند الأستاذ/ فؤاد سيد: "الجيلي" بالياء، ينظر: مجلة معهد المخطوطات العربية مج ١ جى ٢ ص ٢٠٠، وهذا تصحيف، والصواب "الجِبْلِيُّ" بالباء الموحدة: نسبةً إلى مدينة جِبْلةَ، ويُقال: مدينة ذي جِبْلةَ، وهي مدينة مشهورة بالجنوب الغربِيِّ من إِبَّ بمسافة سبعة كيلو مترات، وكانت تُسمى قديمًا ذاتَ النَّهْرَيْنِ؛ لأنها كانت بَيْنَ نَهَرَيْنِ كبيرين جاريين في الصيف والشتاء، ابتناها عبدُ اللَّه بنُ على الصُّلَيْحيُّ سنة (٤٥٨ هـ)، وسمّاها جِبْلةَ باسم يهوديٍّ كان يبيع الفَخّارَ فيها قبل عمارتها، ثم انتقل إليها أحمدُ بنُ عليِّ بنِ محمدٍ الصُّلَيْحيُّ وزَوْجتُهُ أَرْوَى بنتُ أحمد، وصارت جِبْلةُ بعد ذلك عاصمةً للدولة الصُّلَيْحِيّةِ، وفيها يقول عبدُ اللَّه بنُ يَعْلَى الصُّلَيْحِيُّ: [بحر الكامل]
هَبَّ النَّسِيمُ، فبتُّ كالْحَيْرانِ... شَوْقًا إلى الأَهْلِينَ والجِيرانِ
ما مِصْرُ ما بَغدادُ ما طَبَرِيّةٌ... بمدِينةٍ قد حَفَّها نَهْرانِ
خَدِدٌ لها شامٌ وحَبٌّ مُشْرِقٌ... وَالتُّعْكَرُ العالي المُنِيفُ يَمانِ =
1 / 17
٢ - لقَبُه:
لُقِّبَ الجِبْلِيُّ بالأحنَفِ (^١)، وهذا ما جاء في أول مخطوطةِ "البستان" وفي خاتَمتِها، فقد جاء في صفحة العُنوان: "كتابُ البُستان في إعرابِ مشكِلات القرآن - مُؤَلفُ الشيخ الإمام العالِمِ أحمدَ بنِ أبِي بَكْرِ بن عُمرَ بن أبِي الخَيْر بن أبِي الهَيْثم الجِبْلِيِّ المعروفِ بالأحنَف - نَفَع اللَّه تعالى بعلومه".
كما جاء في آخرِ ورقةٍ من المخطوط: "كُتِبَ البُسْتانُ في إعرابِ مشكِلاتِ القُرآنِ مِن نُسْخةِ المُؤلِّفِ بِخَطِّهِ، وهُو: الإمامُ العالِمُ أحمَدُ بنُ أبي بَكْرِ بنِ عُمَرَ بنِ أبي الخَيْرِ بنِ أَبِي الهَيْثَمِ الجِبْلِيُّ المعرُوفُ بالأحْنَفِ -نَفَعَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ-" (^٢).
وكذلك قال السُّيوطيُّ (^٣) والدّاوديُّ (^٤)، وقال البغداديُّ في "هدية العارفين" (^٥):
_________
= وقال أحد الشعراء: [بحر الكامل]
يا حَبَّذا أرضُ الحُصَيْبِ، وحَبَّذا... في جِبْلةٍ أهلٌ لنا ورِفاقُ
وتقع البلدة على هضبة مسطحة متدرجة، وهي على ارتفاع نحو ٦٧٤٥ قدمًا من سطح البحر.
ينظر: معجم البلدان لياقوت ٢/ ١٢٣، ١٢٤، تاج العروس للزبيدي: جبل، معجم المدن والقبائل اليمنية ص ٨٠، ٨١، إعداد/ إبراهيم أحمد المقحفي، منشورات دار الكلمة، صنعاء، (١٩٨٥ م).
(^١) الحَنَفُ: الاعوجاجُ في الرِّجْل، وهو أن تُقْبِلَ إحدى إبْهامَي رِجْلَيْهِ على الأخرى، وبه سُمِّيَ الأَحْنَفُ بنُ قَيْسٍ، الصحاح ٤/ ١٣٤٧، اللسان: حنف.
(^٢) الورقة ٣٤٧/ أ من المخطوط، وانظر ٥/ ١٥٠ من التحقيق.
(^٣) في بغية الوعاة ١/ ٢٩٩.
(^٤) في طبقات المفسرين ١/ ٣٤.
(^٥) ١/ ١٠٤.
1 / 18
"الأحنف اليَمَنِيُّ أحمدُ بن أبي بكرِ بن عُمرَ الأحنَفُ، أبو العبّاس الحَنَفِيُّ"، ومثلَه قال الأَكَوَعُ (^١).
ولكنّ بعض المصادر لقَّبته بابن الأحنَف، فقد قال الجَنَدِيُّ (^٢): "عُرِفَ بابنِ الأحْنَفِ لِحَنَفٍ كان بوالِدِه" ومِثْلَهُ قال الخَزْرَجِيُّ (^٣).
ولعلّ قولَ الجَنَدِيَّ -وهو تلميذُ الجِبْلِيِّ وأقدمُ من ترجموا له- يكون أقربَ إلى الصّواب في أنه: ابنُ الأحنَف؛ لأنه ذَكَرَ العلةَ في هذا اللَّقب، وهي قوله: "لِحَنَفٍ كان بوالدِه".
أمّا كُلٌّ من الزِّرِكْلِيِّ وعمر رضا كَحّالة فقد صَحَّفا لقبَه، قال الزِّركلي (^٤): "ابنُ الأخْنَفِ"، يعني: بالخاء المعجَمة، وقال كحالة (^٥): "أحمدُ الأَخْنف: أحمد بن أبي بكرِ بن عُمر المعروفُ بالأَخْنف"، يعني: بالخاء المعجمة أيضًا، وكذلك قال كحالة في "المستدرك على معجم المؤلفين" (^٦).
* * *
_________
(^١) المدارس الإسلامية في اليمن ص ٧٤، ٢٠٩، ومثله قال الدكتور إميل يعقوب في المعجم المفصل في اللغويين العرب ١/ ٣٣.
(^٢) السلوك في طبقات العلماء والملوك ٢/ ١٧٧.
(^٣) في العقود اللؤلؤية في تاريخ الدولة الرسولية ١/ ٤٢٣.
(^٤) في الأعلام ١/ ١٠٤.
(^٥) في معجم المؤلفين ١/ ١٧٧.
(^٦) المستدرك على معجم المؤلفين ص ٤٢.
1 / 19
المبحث الثاني مولدُه
أجمعت المصادر التي ترجمت للجِبْليِّ على أنه وُلِدَ سنةَ إحدى وأربعين وستِّمائة، ولم يُخالِفْ في ذلك أحدٌ منهم (^١)، ولم تذكر هذه المصادرُ المكان الذي وُلِدَ فيه، ولكنْ من خلال ما وَرَدَ في ترجمة الجِبْليِّ في هذه المصادر يمكن القولُ بأنّ الجِبْليَّ وُلِدَ في مدينة جِبْلةَ، ومن الواضح أنه عاش معظمَ سِنِي حياتِهِ في هذه المدينة، ولم يغادرها إلا للتدريس في مدارسِ مدينة تَعِزَّ (^٢)، ثم عاد إلى بلده مرةً أخرى.
* * *
_________
(^١) ينظر: السلوك للجَنَدِيِّ ٢/ ١٧٧، العقود اللؤلؤية ١/ ٤٢٣، بغية الوعاة ١/ ٢٩٩، طبقات المفسرين للداودي ١/ ٣٤، الأعلام للزركلي ١/ ١٠٤، معجم المؤلفين لكحالة ١/ ١٧٧.
(^٢) بالفتح ثم الكسر، والزاي مشدّدة كتقِلّ، قاعدة اليمن في متأخر الزمن، وأما قاعدة اليمن القديمة فصنعاء، وهي مدينة عظيمة ذات أسوار وقصور، كانت دار ملك بني أيوب ثم بني رسول من بعدهم. معجم البلدان لياقوت: تعزّ، تاج العروس للزبيدي: عزز، الجغرافيا لابن سعيد المغربي: الإقليم الأول.
1 / 20
المبحثُ الثالث عصرُه
١ - الحياةُ السياسيّة:
عاش الجِبْليُّ في عصر الدّولة الرَّسُوليّة، وهي الدّولةُ التي بدأ حُكمها بتغلُّبِ الملكِ المنصورِ عُمَرَ بن عليِّ بن رَسُول (^١) على الحُكم، واستقلاله بحكم اليمن عن الدّولة الأيوبيّة في مصرَ سنةَ (٦٢٦ هـ) (^٢)، وانتهى حكم الدّولة الرَّسُولية سنةَ (٨٥٨ هـ)، وآخِر ملوكِهم هو الملِكُ المسعودُ أبو القاسم بنُ الأشرف إسماعيل بن المنصور (^٣).
_________
(^١) بنو رَسُولٍ يُنسَبُونَ إلى جَدِّهِم محمدِ بنِ هارونَ بنِ أبي الفتح، من أولاد جَبَلةَ بن الأَيْهَم، ينظر: العقود اللؤلؤية للخزرجي ١/ ٢٦، ٢٧، وقال يحيى بن الحسين: "وكان محمد بن هارون جليل القدر، عظيم المَنْزِلة عند الملوك، فقَرَّبهُ أحد الخلفاء العباسية، وأدناه واختص به، ورفع عنه الحجاب، وكان يرسله إلى من يريد من الملوك بما يريده من الأمور الخفية والأسرار المكتومة من غير كتاب، ثقةً بصدقه وأمانته، وأُطلِقَ عليه اسم رسول، فلا يُعرَفُ إلا به عند أكثرِ الناس، وأقام مدةً في العراق، ثم انتقل إلى مصر فسكنها". غاية الأماني في أخبار القطر اليماني ١/ ٤١٩، وينظر: تاريخ اليمن لليمانيِّ ص ١٨٥.
(^٢) كان عُمَرُ بنُ عليٍّ نائبًا عن الملك المسعود الأيوبي على اليمن، فلما تُوُفِّيَ الملك المسعود بمكّةَ سنة (٦٢٦ هـ)، استقل عُمَرُ بن عليِّ بن رسول بحكم اليمن، وأسس الدولة التي عُرفت بالدولة الرسولية، ينظر: العقوب اللؤلؤية ١/ ٤٤، غاية الأماني ليحيى بن الحسين ١/ ٤١٨، تاريخ اليمن لليمانيِّ ص ١٨٥.
(^٣) ينظر: مقدمة تحقيق كتاب غاية الأماني في أخبار القطر اليماني ١/ ٣٧، تاريخ اليمن لليماني =
1 / 21
وُلِدَ الجِبْلِيُّ سنة (٦٤١ هـ)، وعاصَرَ أربعةً من ملوك بني رسول:
أوّلُهم: مؤسِّسُ دولتهم الملك المنصور عُمَرُ بن عليِّ بن رسول، وقد امتَدَّ حُكمُه من سنة (٦٢٦ هـ) إلى سنة (٦٤٧ هـ) (^١).
وثانيهم: الملك المظفَّر شمس الدِّين يوسُف بن عُمَرَ بن عليِّ بن رسول، وقد امتدَّ حُكمَه من سنة (٦٤٧ هـ) إلى سنة (٦٩٤ هـ) (^٢).
وثالثهم: الملك الأشرف مُمَهِّدُ الدِّينِ أبو الفتح عُمَرُ بن يوسف بن عُمَرَ بن عليِّ بن رسول، وقد امتدَّ حُكمه من شهرِ رمضانَ سنة (٦٩٤ هـ) إلى شهر صفرٍ من سنة (٦٩٦ هـ) (^٣).
ورابعهم: الملك المؤيَّد هِزَبْرُ الدِّينِ داودُ بن يوسُف بن عُمَرَ بن عليِّ بن رسول، وقد امتدَّ حكمه من سنة (٦٩٦ هـ) إلى سنة (٧٢١ هـ) (^٤).
_________
= ص ١٨٥: ١٨٨، معجم الأنساب والأسرات الحاكمة في التاريخ الإسلامي للمستشرق زامباور ص ١٨٤، الأعلام للزركلي ٥/ ١٧٣.
(^١) ينظر: العقود اللؤلؤية ١/ ٤٤، ٨٢، تاريخ ابن خلدون ٥/ ٥١٠، ٥١١، غاية الأمانِي ليحيى ابن الحسين ص ٤١٨، ٤٣٣، معجم الأنساب والأسرات الحاكمة في التاريخ الإسلامي للمستشرق زامباور ص ١٨٤، وذكر الشيخ عبد الواسع اليمانِي أن الملك المنصور قُتِلَ سنة (٦٤٩ هـ)، تاريخ اليمن ص ١٨٥، وينظر: الأعلام للزركلي ٥/ ٥٦.
(^٢) ينظر: العقود اللؤلؤية للخزرجي ١/ ٩٠، ٢٧٥، تاريخ ابن خلدون ٥/ ٥١١، غاية الأمانِي ليحيى بن الحسين ١/ ٤٣٣، ٤٧٦، معجم الأنساب والأسرات الحاكمة في التاريخ الإسلامي ص ١٨٤، تاريخ اليمن لليمانيِّ ص ١٨٥، الأعلام للزركلي ٨/ ٢٤٣، ٢٤٤.
(^٣) ينظر: العقود اللؤلؤية ١/ ٢٨٤، ٢٩٧، تاريخ ابن خلدون ٥/ ٥١١، غاية الأماني ١/ ٤٧٦، ٤٧٧، معجم الأنساب والأسرات الحاكمة في التاريخ الإسلامي ص ١٨٤، تاريخ اليمن لليمانِيِّ ص ١٨٥، ١٨٦، الأعلام للزركلي ٥/ ٦٩.
(^٤) ينظر: العقود اللؤلؤية ١/ ٢٩٩، ٤٤٠، تاريخ ابن خلدون ٥/ ٥١١، غاية الأمانِي ليحيى بن =
1 / 22
٢ - الحياةُ العِلميّة:
إذا رجَعْنا إلى كتُب التاريخ وجَدْنا أنّ عصر الدولة الرَّسُوليّة كان مليئًا بالحروب والمنازَعات والصِّراعات بين الرَّسُوليِّين وبين الأئمة الذين كانوا ينازعونَهم المُلْكَ، ولكنه مع ذلك كان أَزْهَى عُصُورِ اليمنِ من الناحية العلمية والفكرية (^١).
يقول الزِّرِكلي (^٢): "وفي المؤرِّخين مَن يُشَبِّهُ الدولةَ الرَّسُولية في اليمن بدولة العباسيِّين في العراق".
وقال الأكوع (^٣): "كان عصر بني رسول أخصَبَ عُصُورِ اليمن، وأكثرَها ازدهارًا بالعلم، وأوسَعَها عطاءً با لإنتاج الفكري، لاهتمامِ ملوكِ بني رسولٍ بِنَشْرِ العلم، ورَفْعِ مكانة العلماء عندَهم وتكريمِهم، وفتحِ أبواب قصورهم لهم في أي وقتٍ شاؤوا، مما جعل كثيرًا من العلماء يُوَلُّونَ وجوهَهم شَطْر مدينة تَعِزَّ حاضرةِ الدولة الرَّسولية، فكانت مَوْئلًا للعلماء، ومَقْصِدًا لهم، يُنِيخُونَ بها ركائبهم، ويُلْقُونَ فيها عصا الترحال، فيجدون من التكريم والتقدير أكثرَ مما يُؤَمِّلُونَ، وفَوْقَ ما يتوقَّعون، كما وَفَد إلى تَعِزَّ عَدَدٌ من العلماء المشهورين، جاؤوا إليها من شتى ديار الإسلام، طَمَعًا في الإفادة والاستفادة، فكانوا يقدِّمون إلى ملوك بني رسول أبدعَ ما جادت به قرائحُهم من مؤلَّفات، ويهدونَها إليهم، فيجيزونهم عليها أسنى الجوائز وأسخاها".
_________
= الحسين ١/ ٤٧٦، ٤٧٧، معجم الأنساب والأسرات الحاكمة في التاريخ الإسلامي ص ١٨٤، تاريخ اليمن لليمانِيِّ ص ١٨٦.
(^١) ينظر في هذا ما كتبه الدكتور شوقي ضيف عن الحركة العلمية في اليمن في كتابه "تاريخ الأدب العربِيِّ: عصر الدول والإمارات" ص ٥٢ - ٨١.
(^٢) الأعلام ٥/ ٥٦.
(^٣) المدارس الإسلامية في اليمن ص ٧ من المقدمة.
1 / 23