البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج
البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج
Maison d'édition
دار ابن الجوزي
Numéro d'édition
الأولى
Année de publication
(١٤٢٦ - ١٤٣٦ هـ)
Lieu d'édition
الرياض
Genres
يرهبون الله. قال مجاهد، وإبراهيم: هو الرجل يريد أن يذنب الذنب، فيذكر مقام الله، فيدع الذنب. رواه ابن أبي الدنيا عن ابن الجعد، عن شعبة، عن منصور، عنهما في قوله تعالى: ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (٤٦)﴾ [الرحمن: ٤٦]، وهؤلاء هم أهل الفلاح المذكورون في قوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥)﴾ [البقرة: ٥]، وهم المؤمنون، وهم المتّقون المذكورون في قوله تعالى: ﴿الم (١) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (٢)﴾ [البقرة: ١ - ٢]، كما قال في آية البرّ: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ [البقرة: ١٧٧]، وهؤلاء هم المتبعون للكتاب، كما في قوله تعالى: ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى﴾ [طه: ١٢٣]، وإذا لم يضلّ، فهو متّبع مهتد، وإذا لم يشقَ، فهو مرحوم، وهؤلاء هم أهل الصراط المستقيم الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصّدّيقين، والشهداء، والصالحين، غير المغضوب عليهم ولا الضّالّين، فإن أهل الرحمة ليسوا مغضوبًا عليهم، وأهل الهدى ليسوا ضالّين، فتبيّن أن أهل رهبة الله يكونون متّقين لله، مستحقّين للجنة بلا عذاب، وهؤلاء هم الذين أتوا بالإيمان الواجب.
ومما يدلّ على هذا المعنى قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ الآية [فاطر: ٢٨]، والمعنى لا يخشاه إلا عالم، فقد أخبر الله أن كلّ من خشي الله فهو عالم، كما قال في الآية الأخرى: ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ والآية [الزمر: ٩].
والخشية أبدًا متضمّنة للرجاء، ولولا ذلك لكانت قُنوطًا، كما أن الرجاء يستلزم الخوف، ولولا ذلك لكان أمنًا، فأهل الخوف لله، والرجاء له هم أهل العلم الذين مدحهم الله. وقد رُوي عن أبي حيّان التيميّ أنه قال: العلماء ثلاثة: فعالم بالله ليس عالمًا بأمر الله، وعالم بأمر الله ليس عالمًا بالله، وعالم بالله عالم بأمر الله، فالعالم بالله هو الذي يخافه، والعالم بأمر الله هو الذي يعلم أمره ونهيه، وفي "الصحيح" عن النبيّ ﷺ أنه قال: "والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله، وأعلمكم بحدوده". وإذا كان أهل الخشية هم العلماء الممدوحون في الكتاب والسنّة، لم يكونوا مستحقّين للذّمّ، وذلك لا يكون إلا
1 / 44