مذهب أحمد بالواو، لا لمصير بعض الأصحاب إلى المنع من الدّباغ، فليس منهم من يقول به، لكن لأن صاحب "التتمة" حكى وجهًا عن رواية ابن القطان (١): أن جلد الميتة لا ينجس، وإنما أمر بالدَّبغ لإزالة الزُّهُومَةِ، فإذا كان طاهرًا قبل الدّباغ لم تكن طهارته بالدّبَاغِ.
قال الغزالي: وَكَيْفِيَّةُ الدَّبَاغِ نَزْعُ الفَضَلاَتِ بِالأَشيَاءِ الحَرّيفَةِ وَلاَ يكفِي التَّتْرِيبُ (ح) وَالتَّشْمِيسُ (ح) وَلاَ يَجِبُ اسْتِعْمَالُ المَاءِ فِي أَثْنَاءِ الدِّبَاغِ عَلَى أَقْيَسِ الوَجْهَيْنِ، وَيجِبُ إِفَاضَةِ المَاءِ المُطْلَقِ عَلَى الجِلْدِ المَدْبُوغِ عَلَى أَظْهَرِ الوَجْهَيْنِ.
قال الرافعي: ولك في قوله: "وكيفية الدباغ نزع الفضلات"، مباحثتان:
إحداهما: أن تقول: ما الذي أراد بكيفية الدباغ أراد به حقيقته أم غير ذلك؟ وكيف يجوز إرادة الحقيقة، وقد اشتهر في كلام الفقهاء أن مقصود الدباغ نَزْعُ الفضلات وَعدَّ ذلك كلامًا صحيحًا منتظمًا، ومقصود الشيء غَيْرُ حقيقته، وإن أراد غير ذلك فما هو؟
والجواب: يجوز أن يكون المعنى والكيفية المعتبرة في الدباغ نزع الفضلات، ويجوز أن يريد بكيفية حقيقته، لكن الدباغ، يطلق بمعنيين يطلق لمعنى الفعل المخصوص في الجلد على الهيئة التي يبتغى بها إصلاح الجلد، ويطلق بمعنى الفعل المصلح، ولهذا يقال: يحصل الدّباغ بكذا، ولا يحصل بكذا، مع وجود الدَّلْكِ والاستعمال على الهيئة التي يبتغي بها الصلاح، فبالمعنى الأول ينتظم أن يقال: مقصود الدباغ نزع الفضلات، والمعنى الثاني: ينتظم أن يقال: حقيقة الدباغ نزع الفضلات.
الثانية: أن يقول كيف اعتبر مجرد النزع؟ والأصحاب يقولون يعتبر عند الشافعي ﵁ في الدِّباغ ثلاثة أشياء نَزْعُ الفُصُول، وَتَطْبِيبُ الجِلْدِ، وَصَيرُورَتُهُ بحيث لو نقع في الماء لم يعد الفساد والنتن.
والجواب أنه لا فرق في المعنى، فإنه إذا نزعت الفضلات طاب الجلد وصار إلى