يَسْمَعُهُ، سَمْعًا، والعربُ إذا نَعَتَتْ بالمصدرِ أَلْزَمَتْهُ الإفرادَ والتذكيرَ، كما قال ابنُ مالكٍ في الخلاصةِ (^١):
وَنَعَتُوا بِمَصْدَرٍ كَثِيرَا فالْتَزَمُوا الإِفْرَادَ وَالتَّذْكِيرَا
وقالوا لأجلِ هذا: لم يُجْمَعِ السمعُ في القرآنِ أَبَدًا.
الوجهُ الثاني (^٢): هو ما تَقَرَّرَ في علومِ العربيةِ: أن كُلَّ مفردٍ هو اسمُ جنسٍ، فَمِنْ أساليبِ اللغةِ العربيةِ أن يُطْلَقَ مفردُه مُرَادًا به الجمعُ، نظرًا إلى أن أصلَه اسمٌ شاملٌ للجنسِ. وهذا كثيرٌ في القرآنِ، وفي كلامِ العربِ في حالاتِه الثلاثِ، أعني بِقَوْلِي: «في حالاتِه الثلاثِ» أن يكونَ مُنَكَّرًا، وأن يكونَ مُعَرَّفًا بالأَلِفِ واللامِ، وأن يكونَ مُضَافًا.
فمن أمثلتِه في القرآنِ واللفظُ مُنَكَّرٌ: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ﴾ [القمر: آية ٥٤] يعني: وأنهارٍ، بدليلِ قولِه: ﴿فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ﴾ الآية. [محمد: آية ١٥] وكقولِه: ﴿وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾ [الفرقان: آية ٧٤] يعني: أئمةً، وكقولِه: ﴿ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا﴾ [الحج: آية ٥] يعني: أطفالًا، وكقولِه: ﴿مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا﴾ [المؤمنون: آية ٦٧] يعني: سَامِرِينَ تَهْجُرُونَ، وكقولِه جل وعلا: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا﴾ [المائدة: آية ٦] ويعني: إن كُنْتُمْ جنبين أو أجنابًا. وقوله: ﴿وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾ [النساء: آية ٦٩] أي: رفقاءَ ﴿فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا﴾ [النساء: آية ٤]
(^١) الخلاصة ص ٤٥، وانظر: شرحه في الأشموني (٢/ ٦٨).
(^٢) انظر: شرح الكوكب المنير (٣/ ١٢٩ - ١٣٦)، البحر المحيط للزركشي (٣/ ٩٧، ١٠٨، ١٤٦)، أضواء البيان (١/ ٩٢، ٣/ ٢٥٣)، (٤/ ٣٣٢)، (٥/ ٢٩، ٧٧٦)، (٧/ ٧٣٠)، قواعد التفسير ص٥٥٣.