وصلتُ هذا الفصل بقولٍ فاضت به النّفس بعد امتلائها، وجاشت به بعد تردده فيها، وما اضطرّني إليه إلا تتابع المكروه من جهته، والشرّ الذي لا يزال يتعقَّبني به، وأنّه حين وج غِرة اهتبلها، ولما رأى الفرصة انتهزها، ولم يرض حتى حسر عن الذراع يدًا، فكشف القناع وجرّد العداوة والتعصّب، وأظهر التسلُّط والتغلّب.
وأنا أعتذر إليك من أن أصل مخاطبتي لك بمثله، وإن كنتُ أجعله بمنزلة اللهو الذي أستعين به على الحق، والهزل الذي أستريح به من الجدّ؛ وقد قيل: من لم يذمم المسيء لم يحمد المُحسن، ومَن لم يَعرف للإساءة مضضا، لم يجد عنده للإحسان موقعا.
وعلى أني لست أدري أمَيْلي إليك أصدق، أم انحرافي عنه أوثق، ورغبتي فيك أشد، أم زُهدي فيه أوكد، ومودّتي لك أخلص، أم أنا على مصارمته أحرَص، وسكوني إليك أتمّ أم نَبْوَتي عنه أحكم، وأنا على ذَمِّه أطبع، أم في حمدك أبدع؟ كما لست أدري أحظُّك من الهمة والمروءة أجزلْ، أم حظُّه من الدّناءةِ والقِلَّة أجل، ومكانك من الحزامة والكرم أرفع، أم محلُّه فيهما أوضع؟
1 / 51