وكنتُ هممت ببعض هذا منذ زمان، فكبح عناني عن ذلك بعض أشياخنا وقصّر إرادتي دونه، وزعم أنّ الاختيار الحسن، والأدب المرضيّ ينهيان عنه، ولا يُجوِّزان الخوض فيه؛ لأنّ الغيبة والقذع والعَضِيهة والتَّقيح والسّبّ المؤلم والكلام القاشر، والمكاشفة بالملامة والشتيمة بلا مراقبة ليست من أخلاق أهل الحِكمة، ولا من دأب ذوي الأخلاق الكريمة، وقد قال بعض الحكماء: لا تكوننّ الأرض أكتم منا للسرّ؛ ومن اعتاد الوقيعة في الأعراض، ومُباداة الناس بالسّفه، وثَلبهم بكل ما جاش في الصدر، وتذرَّع به اللسان، فليس ممن يُذكر بخير، أو يُرجى له فلاح، أو يُؤمَنَ معه عيب؛ قال: وهل الحلم إلاّ في كظم الغيظ، وفي تجرّع المضض، وفي الصبر على المرارة، وفي الإغضاء عن الهفوات؛ ومن لك بالمهذّب النّدب الذي لا يجد العيب إليه مُختطى، والأول يقول:
1 / 38