يقول ابن مسكويه: «إن أول ما ينبغي أن يتفرس في الطفل ويستدل به على عقله: الحياء، فإنه يدل على أنه قد أحس بالقبيح، ومع إحساسه به يحذره ويتجنبه، فإذا نظرت إلى الصبي فوجدته مستحييا مطرقا بطرفه إلى الأض، غير وقاح الوجه، ولا محدق إليك، فهو أول دليل نجابته، والشاهد لك على أن نفسه قد أحست بالجميل والقبيح، وهذه النفس مستعدة للتأديب، صالحة للعناية، لا يجب أن تهمل ولا تترك».
ويقول الغزالي: «ومهما رأى مخايل التمييز فينبغي أن يحسن مراقبته، وأول ذلك ظهورا أوائل الحياء، فإنه إذا كان يحتشم ويستحيي ويترك بعض الأفعال فليس ذلك إلا لإشراق نور العقل عليه، حتى يرى بعض الأشياء قبيحا ومخالفا للبعض، فصار يستحيي من شيء دون شيء والصبي المستحي لا ينبغي أن يهمل بل يستعان على تأديبه بحيائه وتمييزه». (3)
يقول ابن مسكويه: «إن نفس الصبي ساذجة، لم تنتقش بعد بصورة، وليس لها رأي ولا عزيمة تميلها من شيء إلى شيء».
ويقول الغزالي: «والطفل أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية من كل نقش وصورة». (4)
يقول ابن مسكويه: «ويعلم أن أولى الناس بالملابس الملونة والمنقوشة النساء اللواتي يتزين للرجال، ثم العبيد والخول، وإن الأحسن بأهل النبل والشرف من اللباس البياض وما أشبهه حتى يتربى على ذلك. ويسمعه من كل من يقرب منه، ويكرر ذلك عليه».
ويقول الغزالي: «ويحبب إليه من الثياب البيض دون الملون ويقرر عنده أن ذلك شأن النساء والمخنثين، وإن الرجال يستنكفون منه، ويكرر ذلك عليه». (5)
يقول ابن مسكويه: «ولا يترك لمخالطة من يسمع منه ضد ما ذكرته، لا سيما من أترابه. ومن كان في مثل سنه ممن يعاشره أو يلاعبه. وذلك أن الصبي في ابتداء نشأته يكون على الأكثر قبيح الأفعال. إما كلها وإما أكثرها. فإنه يكون كذوبا. ويخبر ويحكي ما لم يسمعه ولم يره. ويكون حسودا سروقا نماما لجوجا ذا فضول».
ويقول الغزالي: «ويحفظ الصبي عن الصبيان الذين عودوا الرفاهية، فإن الصبي مهما أهمل خرج في الأغلب رديء الأخلاق كذابا حسودا سروقا نموما لجوجا ذا فضول».
وبين العبارتين فرق صغير، وعبارة الغزالي أدق، لأنها تعلق فساد الطفل على إهمال تربيته وتأديبه. (6)
يقول ابن مسكويه: «ثم يطالب بحفظ محاسن الأخيار والأشعار التي تجري مجرى ما تعوده بالأدب، ويحذر النظر في الأشعار السخيفة وما فيها ذكر العشق وأهله، وما يوهم أصحابها أنه ضرب من الظرف ورقة الطبع، فإن هذا الباب مفسدة للأخلاق».
Page inconnue