فقالت الأم: استعجل ليصل إلى البيت قبل أن يدهمه الليل .
فأجاب الغلام: ولو كان مشى إلى الجسر، أما كان وصل الآن؟
فمن هذه الحكاية تعلم، أيها الطالب الكئيب. فإذا لم تصل العام، فإنك واصل بعد عام أو عامين، فلماذا تلوث يدك بدمك، أو بدم غيرك وتقضي العمر شقيا؟
ابحث عن سبب علتك وداوها، واقرأ سير الرجال، تجد بينهم من لم يكونوا أحسن منك حالا، فما نالوه من شهرة لم يبلغوه إلا بالكد والجد وسهر الليالي.
قل لي: كم ليلة سهرت، وكم سنة انصببت على كتبك كما يكون الانصباب لأرى إذا كنت تبلغ ما تصبو إليه؟
إن درس شهر نوار وبضعة عشر يوما من حزيران لا يجديك. فتحصيل البكالوريا لا بد له من خمس سنوات درس متواصل فكيف تريد أن تحقق ذلك في شهرين ثلاثة؟
ففي ليالي الكوانين يقرصك البرد فتسترخي تحت اللحاف، وتلعن أبا الذي دق الجرس ألف مرة، وفي فصل الربيع تستسلم إلى مباهجه، وتناجي زهوره التي توحي إليك بألف معنى ... وتظل كذلك حتى تصير على رمية حجر من موعد الامتحان، فتركض إذ ذاك إلى الكتب الكثيرة المطلوب منك درسها.
قلت: درسها، والدرس لفظة مجازية مأخوذة من درس القمح على البيدر، وعليك أن تفعل كالفلاح الذي يظل يدرس ويدرس حتى ينال المحصول.
إن المنهاج لا يطالع مطالعة سطحية. ومن يفعل ذلك يبوء بالخذلان.
فالمعرفة لا تكتنز ما لم تستحل إلى ذوق كما يستحيل الخبز دما في أجسامنا.
Page inconnue