في الظهر تمثلين المرء في أيام عزه وجبروته حين لا تستطيع أن تتفرس به النواظر، ولا تمتلئ العين من النظر إليه.
وفي المساء تمثلين دور سقوطه حين ينظر الجميع إليه بعين المزدري الضاحك من الزوال، غير المفكر بهذا السر العظيم. سر الانقلاب والاضمحلال.
أيتها الشمس! أنت أصدق مؤرخ لو نطقت، أنت رافقت الإنسانية من المهد، وسترافقينا إلى اللحد، شاهدت مآتمها وأعراسها، شبابها وشيخوختها.
وفي هذه البقعة الخضراء نظرت إلى عبادك الفينيقيين تجري في عروقهم دماء الحياة، يرفعون القصور العالية ويذللون البحار، واليوم تشاهدين أطلال مجدهم وبقايا آثارهم.
رأيت الشرق في أعلى سماء التقدم، ونظرت الغرب يحل محله. وسترين غير الاثنين في مقام لا نظنه يصل إليه.
أيتها الشمس! لماذا لا تحسدك النجوم على مقامك السامي؟ لماذا لا تحاربك لنرى كيف تتطاحن الكواكب؟ أم أنت منزهة عن كل خصام وشقاق؟
خلقت لتمجدي الله دائما، ولن تتسلقي جدار حقوقك وواجباتك كما يفعل الإنسان الحقير أمام خالقه الجبار ولا يخجل.
كنت شاهدا على طرد آدم من عدن، على ضلال قايين، على دماء هابيل، على الطوفان الذي كان ليغسل الأرض من أدران الإثم.
رأيت دخان رومة مرتفعا إلى الغمام ولم تأسفي، سمعت ضجة سقوط أسوار أريحا ولم ترتعدي. نظرت ضربات مصر ولم تنتقمي لها من فرعون الظالم ...
والمارتينيك، وبومباي، وقرطاجة، وسان فرنسيسكو، محقها الدهر وسحقتها الأقدار تحت أقدامك، فابتلعتها لجة العدم، وأنت ناظرة إليها بثغرك الذهبي، ولم تزده رهبة الفناء صفرة.
Page inconnue