وقد جاوزت حد الأربعين
أما ذكور هذا الزمان - وقد أمسى الزواج عندهم قضاء واجب، كما يقولون - فليس يتذكره أحدهم إلا حين يذوي شبابه، أو يذهب ساقه وسماقه، كما تقول العوام.
يستفيق الرجل في عصر الحياة، يستيقظ من غفوته حين يقصر عن الكر والفر، فيفتش على ضوء شيبته عن أنثى يحجر عليها في بيته يوم يصبح في حاجة إلى ممرضة لا إلى زوجة.
إنها إحدى آفات المدنية التي تدعونا إلى معالجتها واجباتنا الاجتماعية. فالبستاني لا ينفك عن الطواف بين أشجاره المثمرة، تارة يلجأ إلى المنفخ ليكافح الجراثيم العائثة بالجذوع والأغصان والأوراق، وطورا يجيء بالمضخة للرش لتسلم من الكوارث شجراته الحبيبة.
أما نحن فقلما نبالي بجنيناتنا البشرية التي تتطلب منا جهودا جلى، واهتماما منقطع النظير.
إن تهرب الشبان من أعباء المسئولية البيتية هو الذي أكثر عدد العوانس في هذا الزمان.
ولكن على من الحق؟ ومن هو المخطئ؟ الفتاة أم الفتى؟
سوف أعرض الآن إحدى صفحتي هذه القضية الخطيرة، وإني لأرجو من القراء أن ينهجوا نهج حكام هذا العصر؛ أي ألا يصدروا حكمهم الآن بل يؤجل ذلك إلى ما بعد الاطلاع على الصفحة الثانية، عملا بنصيحة أحد القضاة القدامى الذي قال: «إذا جاءك شاك وقد قلعت عينه فلا تحكم له؛ لئلا يأتيك خصمه وقد قلعت عيناه.»
اجتمعت بشاب فات الأربعين ، وهو يزعم أنه قارب الثلاثين، فقلت له: أراك كبرت يا جميل عن الصبا، وقطعت تلك الناحية، أما وقعت بعد على بنت الحلال تقاسمك السراء والضراء؟
فتأفف صاحبنا ونفخ نفخة تذري بيدر دير، ثم صفع صلعته صفعة رنت لها القاعة التي كنا فيها. وأطرق يفكر، ورحت أنا أتأمل أصابعه المنطبعة على بطيخته، وأنتظر كلامه.
Page inconnue