السلطان «غياث الدين كيخسرو» سنة ٦٣٤ هـ.
هذا هو مجمل لما ورد من أخبار المؤلّف، وهو يدلّنا على مدى ما لديه من مؤهّلات تمكّنه من مراقبة الأحداث من كثب، وتسجيلها باعتباره شاهد عيان لها.
على أننا إذا تأمّلنا كتاب «الأوامر العلائيّة» وجدنا مؤلّفه من كبار أدباء الفرس، ومن أصحاب اللّسانين العربي والفارسي، بل ينظم الشعر بكلتا اللغتين، وله اطّلاع واسع عميق بالعربيّة وآدابها.
والحقّ أن «علاء الدين عطاملك الجويني» - وهو المؤرّخ الثّبت وصاحب المدرسة التوثيقية في كتابة التّاريخ عند الفرس- لم يكن ليعهد إلى ابن البيبي بكتابة تأريخ لسلاجقة الرّوم إلا إذا كان قد أنس فيه القدرة وأيقن أنه يمتلك عدّة النّهوض بأعباء هذا العمل الكبير، فهو بحكم منصبه في ديوان سلاجقة الرّوم قادر على الاطلاع على الوثائق التاريخيّة الهامّة، مراقب للأحداث والوقائع، مطّلع على ما يحاك من مؤامرات القصور ويدبّر فيها من دسائس، فضلا عن مكانة أبيه «مجد الدين الترّجمان» وأمّه «بيبي المنجّمة» في بلاط السّلاجقة، مما أتاح له فرصة سماع الكثير من الأحداث التي لم يشهدها بنفسه من أقرب المصادر وأوثقها. لقد عاش ابن البيبي وتربى في كنف هذه الدّولة، وتبوّأ مركزا يقرّبه من سلاطينها «فخط في هذا المجلد ما جرى من الأمور في السّنين والشّهور في بلاد الرّوم مما قد رأى وسمع» (^١). وبفضل هذا التثبّت جاء الكتاب سجلا ناطقا لكل مظاهر الحياة السّياسية، والعسكرية، والاقتصادية والاجتماعية، والثّقافية والمعمارية، والحضارية بعامّة في دولة سلاجقة الرّوم.
_________
(^١) «مما قد شاهد وسمع» هي نفس عبارة عطاملك الجويني في مقدمة جهانكشاي، طبع ليدن سنة ١٩١١، ١: ٣.
المقدمة / 14